الإسراء ٦٠ من الآيات لتعيين التكذيبِ المستدعي للاستئصال المخالفِ لما جرى به قلمُ القضاءِ من تأخير عقوباتِ هذه الأمةِ إلى الآخرة لحِكَمٍ باهرة من جملتها ما يُتوَّهم من إيمان بعض أعقابِهم عَبّر عن تلك المنافاةِ بالمنع على نهج الاستعارةِ إيذاناً بتعاضد مبادئ الإرسال لا كماز عموا من عدم إرادتِه تعالى لتأييده ﷺ بالمعجزات وهو السرُّ في إيثارِ الإرسالِ على الإيتاء لما فيه من الإشعار بتداعي الآياتِ إلى النزول لولا أن تُمسْكَها يدُ التقدير وإسناد على هذا المنعِ إلى تكذيب الأولين لا إلى عمله تعالى بما سيكونُ من الآخَرَيْن كما في قوله تعالى وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ لإقامة الحجةِ عليهم بإبراز الا نموذج وللإيذان بأن مدارَ عدم الإجابةِ إلى إيتاء مقترحِهم ليس إلا صنيعَهم (وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة) عطفٌ على ما يُفصح عنه النظمُ الكريمُ كأنه قيل وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالأيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بها الأولون حيث آتيناهم ما اقترحوا من الآيات الباهرةِ فكذبوها وآتينا باقتراحهم ثمودَ الناقةَ (مُبْصِرَةً) على صيغةِ الفاعلِ أي بَيّنةً ذاتَ إبصارٍ أو بصائرَ يدركها الناسُ أو أُسند إليها حالُ من يشاهدها مجازاً أو جاعلتَهم ذوي بصائرَ من أبصره جعله بصيراً وقرئ على صيغة المفعول وبفتح الميم والصادر وهي نصبٌ على الحالية وقرئ بالرفع على أنَّها خبرُ مبتدإٍ محذوف (فَظَلَمُواْ بِهَا) فكفروا بها ظالمين أي لم يكتفو بمجرد الكفرِ بها بل فعلوا بها ما فعلوا من العقْر أو ظلموا أنفسَهم وعرّضوها للهلاك بسبب عقرِها ولعل تخصيصَها بالذكر لما أن ثمودَ عربٌ مثلُهم وأن لهم من العلم بحالهم مالا مزيد عليه حيث يشاهدون آثارَ هلاكِهم ورودا او صدودا أو لأنها من جهة إنها حيوانٌ أُخرج من الحجر أوضحُ دليلٍ على تحقق مضمونِ قوله تعالى قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً (وَمَا نُرْسِلُ بالأيات) المقترَحة (إِلاَّ تَخْوِيفًا) لمن أُرسلت هي عليهم مما يعقُبها من العذاب المستأصِل كالطليعة له وحيث لم يخافوا ذلك فُعل بهم ما فُعل فلا محل للجملة حينئذ من الإعراب ويجوز أن تكون حالاً من ضمير ظلموا أي ظلموا بها ولم يخافوا عاقبتَه والحالُ أنا ما نُرسل بالآيات التي هي من جُملتِها إلا تخويفاً من العذاب الذي يعقُبها فنزل بهم ما نزل
(وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس) أي علماً كما نقله الإمامُ الثعلبيُّ عن ابن عباس رضي الله عنهما فلا يَخْفى عليه شيءٌ من أفعالهم الماضيةِ والمستقبلة من الكفر والتكذيبِ وفي قوله تعالى (وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التى أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ) إلى آخر الآية تنبيه على تتحقها بالاستدلال عليها بما صدَر عنهم عند مجيءِ بعض الآياتِ لاشتراك الكلِّ في كونها أموراً خارقةً للعادات منزّلةً من جانب الله سبحانه لتصديق النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم فتكذيبُهم لبعضها مستلزمٌ لتكذيب الباقي كما أن تكذيبَ الآخرين بغير المقترَحة يدل على تكذيبهم بالآيات المقترَحة والمرادُ بالرؤيا ما عاينه ﷺ ليلةَ المِعراج من عجائب الأرضِ والسماءِ حسبَما ذُكر في فاتحةِ السورةِ الكريمة والتعبيرُ عن ذلك بالرؤيا إما لأنه لا فرقَ بينها وبين الرؤيةِ أو لأنها وقعت بالليل أو لأن الكفرةَ قالوا لعلها رؤيا أي وما جعلنا الرؤيا التي أريناكها عِياناً مع كونها آيةً عظيمةً وأيةَ آيةٍ حقيقةٍ بأن