الإسراء
٦٤ - ٦٦ (واستفزز) أي استخفَّ (مَنِ استطعت مِنْهُمْ) أن تستفِزَّه (بِصَوْتِكَ) بدعائك إلى الفساد (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم) أي صِحْ عليهم من الجَلَبة وهي الصياح (بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) أي بأعوانك وأنصارِك من راكب وراجل من أهل العبث والفساد قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهدٌ وقتادةُ إن له خيلاً ورَجِلاً من الجن والإنس فما كان من راكب يقاتل في معصية الله تعالى فهو من خيل إبليسَ وما كان من راجل يقاتل في معصية الله تعالى فهو من رَجِل إبليس والخيلُ الخيالة ومنه قوله ﷺ يا خيلَ الله اركبي والرّجْلُ اسمُ جمعٍ للراجل كالصحب والركب وقرئ بكسر الجيم وهي قراءةُ حفصٍ على أنه فَعِلٌ بمعنى فاعل كتعِب وتاعب وبضمة مثلُ حدِثٌ وحدُثٌ وندس وندِسٌ وندُسٌ ونظائرِهما أي جمعك الراجل ليطابق الخيل وقرئ رجالِك ورجالك ويجوز أن يكون استفزازُه بصوته وإجلابه بخيله ورَجْلِه تمثيلاً لتسلّطه على من يُغويه فكأنه مِغوارٌ أوقع على قوم فصوّت بهم صوتاً يزعجهم من أماكنهم ويقلقهم عن مراكزهم واجلب عليهم يجنده من خيّالة ورَجّالَة حتى استأصلهم (وَشَارِكْهُمْ فِى الأموال) بحملهم على كسبها وجمعِها من الحرام والتصرفِ فيها على ما لا ينبغي (والأولاد) بالحث على التوصل إليهم بالأسباب المحرمة والإشراكِ كتسميتهم بعبد العزّى والتضليلِ بالحمل على الأديان الزائغةِ والحِرَف الذميمة والأفعالِ القبيحة (وَعَدَّهُمْ) المواعيدَ الباطلةَ كشفاعة الآلهة والاتكالِ على كرامة الآباءِ وتأخيرِ التوبةِ بتطويل الأمل (وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً) اعتراضٌ لبيان شأنِ مواعيدِه والالتفاتُ إلى الغَيبة لتقوية معنى الاعتراضِ مع ما فيه من صرفِ الكلامِ عن خطابه وبيانِ شأنه للناس ومن الإشعار بعلية شيطنتِه للغرور وهو تزيينُ الخطأ بما يوهم أنه صواب
(إِنَّ عِبَادِى) الإضافةُ للتشريف وهم المخلَصون وفيه أن مَنْ تبعه ليس منهم وأن الإضافةَ لثبوت الحكمِ في قولِهِ تعالَى (لَّيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان) أي تسلّطٌ وقدرةٌ على إغوائهم كقوله تعالى إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ على الذين آمنوا وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (وكفى بِرَبّكَ وَكِيلاً) لهم يتوكلون عليه ويستمدون به في الخلاص عن إغوائك والتعرضُ لوصفِ الربوبيةِ المنْبئةِ عن المالكية المطلقة والتصرف الكلي مع الإضافة إلى ضمير إبليسَ للإشعار بكيفية كفايتِه تعالى لهم أعني سلْبَ قدرتِه على إغوائهم
(رَّبُّكُمُ الذى يُزْجِى لَكُمُ الفلك في البحر) مبتدأ وخبر والإزجاءُ السوقُ حالاً بعد حال أي هو القادرُ الحكيمُ الذي يسوق لمنافعكم الفُلك ويُجريها في البحر (لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ) من رزقه الذي هو فضلٌ من قِبَله أو من الربح الذي هو مُعطيه ومن مزيدةٌ أو تبعيضية وهذا تذكير لبعض النعم التي هي دلائلُ التوحيد وتمهيد لذكر توحيدهم