الكهف ١٢ إيتاءُ رحمةً لدنيّةٍ خافيةٍ عن أبصار المتمسكين بالأسباب العادية استجابةً لدعوتهم ﴿فِى الكهف﴾ ظرف مكان لضربنا ﴿سِنِينَ﴾ ظرفُ زمان له باعتبار بقائِه لا ابتدائِه ﴿عَدَدًا﴾ أي ذواتَ عدد أو تُعدّ عدداً على أنَّه مصدرٌ أو معدودةً على أنَّه بمعنى المفعولِ ووصفُ السنين بذلك إما للتكثير وهو الأنسبُ بإظهار كمالِ القدرةِ أو للتقليل وهو الأليقُ بمقام إنكارِ كون القصةِ عجباً من بين سائر الآياتِ العجيبة فإن مدة لُبثهم كبعض يوم عنده عز وجل
﴿ثُمَّ بعثناهم﴾ أي أيقظناهم من تلك النومةِ الثقيلة الشبيهة بالموت ﴿لَنَعْلَمُ﴾ بنون العظمة وقرئ بالياء مبنياً للفاعل بطريق الالتفاتِ وأيا ما كان فهو غايةٌ للبعث لكن لا يجعل العلمِ مجازاً من الإظهار والتمييز أو بحمله على ما يصِح وقوعُه غايةً للبعث الحادثِ من العلم الحالي الذي يتعلق به الجزاءُ كما في قوله تعالى إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يتبعُ الرسولَ مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ وقولُه تعالَى وليعلمَ الله الذين آمنوا ونظائِرهما التي يتحقق فيها العلمُ بتحقق متعلقِه قطعاً فإن تحويلَ القِبلة قد ترتب عليه تحزّبُ الناس إلى متّبعٍ ومنقلب وكذا مداولةُ الأيامِ بين الناس ترتب عليه تحزّبُهم إلى الثابت على الإيمان والمتزلزلِ فيه وتعلق بكل من الفريقين العلمُ الحالي والإظهارُ والتمييزُ وأما بعثُ هؤلاء فلم يترتب عليه تفرقُهم إلى المَحْصيِّ وغيره حتى يتعلق بهما العلم أو الإظهارُ والتمييزُ ويتسنى نظمُ شيء من ذلك في سلك الغاية وإنما الذي تربت عليه تفرقُهم إلى مقدِّر تقديراً غيرَ مصيب ومفوِّض إلى العلم الرباني وليس شيءٌ منهما من الإحصاء في شيء بل يحمل النظمِ الكريمُ على التمثيل المبنيِّ على جعل العلمِ عبارةً عن الاختبار مجازاً بطريق إطلاقِ اسمِ المسبَّب على السبب وليس من ضرورة الاختبارِ صدورُ الفعل المختبَرِ به عن المختبَرِ قطعاً بل قد يكون لإظهار عجزِه عنه على سنن التكاليفِ التعجيزيةِ كقوله تعالى فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب وهو المراد ههنا فالمعنى بعثناهم لنعاملهم معاملةَ من يختبرهم ﴿أَيُّ الحِزْبَيْنِ﴾ أي الفريقين المختلفَين في مدة لُبثهم بالتقدير والتفويض كما سيأتي ﴿أحصى﴾ أي أضبط ﴿لِمَا لَبِثُواْ﴾ أي للبثهم ﴿أَمَدًا﴾ أي غايةً فيظهر لهم عجزُهم ويفوضوا ذلك إلى العليم الخبير وليتعرفوا حالَهم وما صنع الله تعالى بهم من حفظ أبدانِهم وأديانِهم فيزدادوا يقيناً بكمال قدرتِه وعلمِه ويستبصروا به أمرَ البعث ويكون ذلك لطفاً لمؤمني زمانِهم وآيةً بينة لكفارهم وقد اقتصر ههنا من تلك الغايات الجليلةِ على ذكر مبدئِها الصادرِ عنه عز وجل وفيما سيأتي على ما صدرَ عنهُم من التساؤل المؤدّي إليها وهذا أولى من تصوير التمثيلِ بأن يقال بعثناهم بعْثَ من يريد أن يَعلمَ الخ حسبما وقع في تفسيرِ قولِه تعالى وليعلمَ الله الذين آمنوا على أحد الوجوهِ حيث حُمل على معنى فعلنا ذلك فِعْلَ مَن يُريد أنْ يَعلمَ مَن الثابتُ على الإيمان من غير الثابت إذ ربما يتوهم منه استلزامُ الإرادةِ لتحقق المراد فيعود المحذورُ فيصار إلى جعل إرادةِ العلم عبارةً عن الاختبار فاختبر واختر هذا وقد قرئ ليُعْلِمَ مبنيا للمفعول ومبنيا للفاعل من الإعلام على أن المفعولَ الأولَ محذوفٌ والجملة المصدرةُ بأي فِي مَوْقعِ المفعولِ الثانِي فقط إن جعل العلمُ عِرفانياً أوفى موقع المفعولين إن جعل يقينيا أي ليعمل الله الناسَ أيَّ الحزبين أحصى الخ وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أحدَ الحزبين الفتيةُ والآخرَ الملوكُ الذين تداولوا المدينةَ مُلكاً


الصفحة التالية
Icon