الكهف ٢٠ ٢١ والمجاوبةِ وإلا لقيل ثم قالوا ربنا أعلمُ بما لبثنا ﴿فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذه إلى المدينة﴾ قالوه إعراضاً عن التعمق في البحث وإقبالاً على ما يُهمّهم بحسب الحالِ كما ينبئ عنه الفاءُ والورِقُ الفضةُ مضروبةً أو غيرَ مضروبة ووصفُها باسم الإشارةِ يُشعر بأن القائلَ ناولها بعضَ أصحابه ليشتريَ بها قوتَ يومهم ذلك وقرئ بسكون الراء وإدغام القافِ في الكاف وبكسر الواو وبسكون الراء مع الإدغام وحملُهم لها دليلٌ على أن التزودَ لا ينافي التوكلِ على الله تعالى ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا﴾ أي أهلِها ﴿أزكى﴾ أحلُّ وأطيبُ أو أكثرُ وأرخصُ ﴿طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ﴾ أي من ذلك الأزكى طعاماً ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ وليتكلّف اللُّطفَ في المعاملة كيلا يُغبَنَ أو في الاستخفاء لئلا يُعرَف ﴿وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ من أهل المدينةِ فإنه يستدعي شيوعَ أخبارِكم أي لا يفعلنّ ما يؤدّي إلى ذلك فالنهيُ على الأول تأسيسٌ وعلى الثاني تأكيدٌ للأمر بالتلطف
﴿إِنَّهُمْ﴾ تعليلٌ لما سبقَ من الأمرِ والنَّهي أي لِيبالِغْ في التلطف وعدمِ الإشعار لأنهم ﴿إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ﴾ أي يطّلعوا عليكم أو يظفَروا بكم والضميرُ للأهل المقدّر في أيُّها ﴿يَرْجُمُوكُمْ﴾ إن ثبتُّم على ما أنتُم عليهِ ﴿أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ﴾ أي يصيروكم إلهيا ويُدخلوكم فيها كُرهاً من العَوْد بمعنى الصيْرورة كقوله تعالى أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا وقيل كانوا أولاً على دينهم وإيثارُ كلمةِ في على كلمة إلى للدِلالة على الاستقرار الذي هو أشدُّ شيءٍ عندهم كراهة وتقديم احتمال الرجم على احتمال الإعادةِ لأن الظاهرَ من حالهم هو الثباتُ على الدين المؤدي إليه وضميرُ الخطاب في المواضع الأربعة للمبالغة في محل المبعوثِ على الاستخفاء وحثِّ الباقين على الاهتمام بالتوصية فإن محاض النُّصحِ أدخلُ في القَبول واهتمامُ الإنسان بشأن نفسِه أكثروا أوفر ﴿وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا﴾ أي إن دخلتم فيها ولو بالكرُه والإلجاء لن تفوزوا بخير ﴿أَبَدًا﴾ لا في الدنيا ولا في الآخرة وفيه من التشديد في التحذير مالا يخفى
﴿وكذلك﴾ أي وكما أَنَمناهم وبعثناهم لما مرّ من ازديادهم في مراتب اليقينِ ﴿أَعْثَرْنَا﴾ أي أطلعْنا الناسَ ﴿عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُواْ﴾ أي الذين أعثرناهم عليهم بما عاينوا من أحوالهم العجيبة ﴿إِنَّ وَعْدَ الله﴾ أي وعدَه بالبعث أوموعوده الذي هو البعثُ أو أن كل وعده أو كل موعودِه فيدخُل فيه وعدُه بالبعث أو البعث الموعودِ دخولاً أولياً ﴿حَقّ﴾ صادقٌ لا خُلْف فيه أو ثابتٌ لا مردَّ له لأن نومهم وانتباهم كحال من يموت ثم يُبعث ﴿وَأَنَّ الساعة﴾ أي القيامةَ التي هي عبارةٌ عن وقت بعثِ الخلائقِ جميعاً للحساب والجزاء ﴿لاَ رَيْبَ فِيهَا﴾ لا شك في قيامها فإن من شاهد أنه جل وعلا توفي نفوسهم وأمسكها ثلثمائة سنة وأكثرَ حافظاً أبدانَها من التحلل والتفتّت ثم أرسلها إليها لا يبقى له شائبةُ شك في أن وعدَه تعالى حقٌّ وأنه يبعث مَنْ فى القبور فيرد إليهم