الكهف ٤٣ ٤٥ مما يمكن صيانتُه عن طوارق الحدَثانِ وقد صرفه إلى مصالحها رجاء أي يتمتع بها أكثر مما يتمتعَ به وكان يرى أنه لا تنالها أيدي الردَى ولذلك قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً فلما ظهر له أنها مما يعتريه الهلاكُ ندم على ما صنع بناءً على الزعم الفاسدِ من إنفاق ما يمكن ادخارُه في مثل هذا الشيءِ السريع الزوال ﴿وَهِىَ﴾ أي الجنةُ من الأعناب المحفوفةِ بنخل ﴿خَاوِيَةٍ﴾ ساقطةٌ ﴿على عُرُوشِهَا﴾ أي دعائمها المصنوعةِ للكروم لسقوطها قبل سقوطِها وتخصيصُ حالها بالذكر دون النخل والزرعِ إما لأنها العُمدةُ وهما من متمماتها وإما لأن ذكرَ هلاكِها مغنٍ عن ذكر هلاك الباقي لأنها حيث هلكت وهي مُشيَّدةٌ بعروشها فهلاكُ ما عداها بالطريق الأولى وإما لأن الإنفاقَ في عمارتها أكثرُ وقيل أرسل الله تعالى نارا فأحرقتها وغار ماؤُها ﴿وَيَقُولُ﴾ عطف على يقلّب أو حالٌ من ضميرِه أي وهو يقول ﴿يا ليتني لم أشرِك بِرَبّى أَحَدًا﴾ كأنه تذكر موعظةَ أخيه وعلم أنه إنما أُتيَ من قِبل شِرْكِه فتمنى لو لم يكن مشركاً فلم يُصبْه ما أصابه قبل ويحتمل أن يكون ذلك توبةً من الشرك وندَماً على ما فرَط منه
﴿ولم تكن له﴾ وقرئ بالتاء التحتانية ﴿فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ﴾ يقدِرون على نصره بدفع الإهلاكِ وعلى رد المهلك والإتيان بمثله وجمعُ الضميرِ باعتبار المعنى كما في قوله عز وعلا يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ ﴿من دون الله﴾ أنه القادرُ على ذلك وحده ﴿وَمَا كَانَ﴾ في نفسه ﴿مُنْتَصِراً﴾ ممتنعاً بقوته عن انتقامه سبحانه
﴿هُنَالِكَ﴾ في ذلك المقامِ وفي تلك الحال ﴿الولاية لله الحق﴾ أي النصر له وحده لا يقدِر عليها أحدٌ فهو تقريرٌ لما قبله وينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر بما فعل بالكافر أخاه المؤمنَ ويعضُده قوله تعالى ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ أي لأوليائه وقرأ الولاية بكسر الواو ومعناه الملك والسلطان أي هنالك السلطان له عز وجل لا يُغلَب ولا يُمتَنع منه أو لا يُعبد غيره كقوله تعالى فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين فيكون تنبيهاً على أن قوله ﴿يا ليتني لم أشرِك﴾ الخ كان عن اضطرار وجزَعٍ عمّا دهاه على أسلوب قوله تعالى الآن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ من المفسدين وقيل هناك إشارةٌ إلى الآخرة كقوله تعالى ﴿لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الواحد القهار﴾ وقرئ برفع الحقِّ على أنه صفة الولاية وبنصبه على أنَّه مصدرٌ مُؤكدٌ وقرئ عقبا بضم القاف وعقبا كرُجعى والكلُّ بمعنى العاقبة
﴿واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا﴾ أي واذكر لهم ما يُشبهها في زَهْرتها ونَضارتها وسرعةِ زوالها لئلا يطمئنوا بها وليعكفوا عليها ولا يَضرِبوا عن الآخرة صفحاً بالمرة أو بيِّنْ لهم صفتَها العجيبة التي هي في الغرابة كالمثَل ﴿كَمَاء﴾ استئنافٌ لبيان المثَل أي هي كَمَاء ﴿أَنزَلْنَاهُ مِنَ السماء﴾ ويجوز كونه مفعولا ثانيا لا ضرب على أنه بمعنى صيّر ﴿فاختلط به﴾ اشتبك بسبيه ﴿نَبَاتُ الارض﴾