رُعَين وذي يزَن وذي جَدَن قال الإمام الرازي والأولُ هو الأظهر لأن من بلغ ملكَه من السعة والقوة إلى الغاية التي نطق بها التنزيلُ الجليلُ إنما هو الإسكندر اليونانيُّ كما تشهد به كتبُ التواريخ يروى أنه لما مات أبوه جَمع مُلكَ الروم بعد أن كان طوائفَ ثم قصد ملوكَ العرب وقهرَهم ثم أمعن حتى انتهى إلى البحر الأخضر ثم عاد إلى مصرَ فبنى الاسكندرية وسماها باسمه ثم دخل الشام وقصد بني إسرائيلَ وورد بيتَ المقدس وذبح في مذبحه ثم انعطف إلى أرمينيةَ وبابِ الأبواب ودان له العراقيون والقِبطُ والبربرُ ثم توجه نحو دار ابن دارا وهزمه مراراً إلى أن قتله صاحبُ حرسِه واستولى على ممالك الفرسِ وقصدَ الهند وفتحه وبنى مدينة سرنديبَ وغيرَها من المدن العظامِ ثم قصد الصينَ وغزا الأمم البعيدةَ ورجع إلى خراسانَ وبنى بها مدائنَ كثيرة ورجع إلى العراق ومرض بشهر زور ومات انتهى كلام الإمام وروي أن أهلَ النجوم قالوا له إنك لا تموت إلا على أرض من حديد وتحت سماه من خشب وكان يدفِن كنزَ كل بلدةٍ فيها ويكتب ذلك بصفته وموضعِه فبلغ بابل فرعَف وسقط عن دابته فبُسطت له دروعٌ فنام عليها فآذته الشمس فأظلوه بترس فنظر فقال هذه أرض من حديد وسماءٌ من خشب فأيقن بالموت فمات وهو ابنُ ألفٍ وستمائة سنة وقيل ثلاثةِ آلافِ سنة قال ابن كثير وهذا غريب وأغربُ منه ما قاله ابنُ عساكر من أنه بلغني أنه عاش ستاً وثلاثين سنة أو ثنتين وثلاثين سنة وأنه كان بعد داودُ وسليمانُ عليهما السلام فإن ذلك لا ينطبق إلا على ذي القرنين الثاني كما سنذكره قلت وكذا ما ذكره الإمام من قصد بني إسرائيلَ وورودِ بيت المقدس والذبحِ في مذبحه فإنه مما لا يكاد يتأتى نسبتُه إلى الأول واختُلف في نبوته بعد الاتفاق على إسلامه وولايتِه فقيل كان نبياً لقوله تعالى إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأرض وظاهر أنه متناولٌ للتمكين في الدين وكمالُه بالنبوة ولقوله تعالى ﴿واتيناه مِن كُلّ شَىْء سَبَباً﴾ ومن جملة الأشياء النبوةُ ولقوله تعالى ﴿قُلْنَا يا ذا القرنين﴾ ونحوِ ذلك وقيل كان ملكاً لما رُوي أن عمر رضي الله عنه سمع رجلاً يقول لآخر يا ذا القرنين فقال اللهم غفراً أما رضِيتم أن تتسموا بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة قال ابن كثير والصحيحُ أنه ما كان نبياً ولا ملكاً وإنما كان ملكاً صالحاً عادلاً ملَك الأقاليَم وقهر أهَلها من الملوك وغيرَهم ودانتْ له البلادُ وأنه كان داعياً إلى الله تعالى سائراً في الخلق بالمَعْدلة التامة والسلطانِ المؤيَّدِ المنصورِ وكان الخضر على مقدمة جيشِه بمنزلة المستشار الذي هو من الملك بمنزلة الوزير وقد ذكر الأزرقي وغيرُه أنه أسلم على يدَيْ إبراهيمَ الخليلِ عليه الصلاة والسلام فطاف معه بالكعبة هو وإسماعيلُ عليهم السلام ورُوي أنه حج ماشياً فلما سمع إبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بقدومه تلقاه ودعا له وأوصاه بوصايا ويقال إنه أُتيَ بفرس ليركب فقال لا أركب في بلد فيه الخليل فعند ذلك سخر له السحاب وطوي له الأسباب وبشره إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام بذلك فكانت السحابُ تحمله وعساكرَه وجميعَ آلاتِهم إذا أرادوا غزوةَ قومٍ وقال أبو الطفيل سُئل عنه عليٌّ كرم الله وجهه أكان نبياً أم ملِكاً فقال لم يكن نبياً ولا ملكاً لكن كان عبداً أحب الله فأحبه وناصح الله فناصحه سُخر له السحابُ ومُدّ له الأسباب واختلف في وجه تسميته بذي القرنين فقيل لأنه بلغ قَرني الشمس مشرِقَها ومغربَها وقيل لأنه ملَك الرومَ وفارسَ وقيل الرومَ والتركَ وقيل لأنه كان في رأسه أو في تاجه ما يشبه القرنين وقيل لأنه كان له ذؤابتان وقيل لأنه كانت صفحتا رأسِه من النحاس وقيل لأنه دعا الناس إلى الله عزَّ وجلَّ فضرب