أي لأولئك الموصوفين بما مر من حبوط الأعمالِ وقرئ بالياء ﴿يَوْمَ القيامة وَزْناً﴾ أي فنزدريهم ولا نجعل لهم مقداراً واعتباراً لأن مدارَه الأعمالُ الصالحة وقد حبِطت بالمرة وحيث كان هذا الازدراءُ من عواقب حبوطِ الأعمال عُطف عليه بطريق التفريعِ وأما ما هو من أجزية الكفرِ فسيجئ بعد ذلك أولا نضع لأجل وزنِ أعمالِهم ميزاناً لأنه إنما يوضع لأهل الحسناتِ والسيئاتِ من الموحدين ليتميز به مقاديرُ الطاعات والمعاصي ليترتب عليه التكفير أو عدمُه لأن ذلك في الموحدين بطريق الكمية وأما الكفرُ فإحباطه للحسنات بحسب الكيفيةِ دون الكمية فلا يوضع لهم الميزانُ قطعاً
﴿ذلك﴾ بيانٌ لمآل كفرهم وسائرِ معاصيهم إثرَ بيان مآلِ أعمالِهم المحبَطة بذلك أي الأمرُ ذلك وقوله عز وجل ﴿جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ﴾ جملةٌ مبيِّنةٌ له أو ذلك مبتدأٌ والجملةُ خبرُه والعائدُ محذوفٌ أي جزاؤُهم به أو جزاؤهم بدلَه وجهنمُ خبرُه أو جزاؤهم خبرُه وجهنمُ عطفُ بيانٍ للخبر ﴿بِمَا كَفَرُواْ﴾ تصريحٌ بأن ما ذكر جزاءٌ لكفرهم المتضمن لسائر القبائحِ التي أنبأ عنها قوله تعالى ﴿واتخذوا آياتي وَرُسُلِى هُزُواً﴾ أي مهزوًّا بهما فإنهم لم يقتنعوا بمجرد الكفرِ بالآيات والرسل بل ارتكبوا مثلَ تلك العظيمة أيضاً
﴿إن الذين آمنوا﴾ بيانٌ بطريق الوعدِ لمآل الذين اتصفوا بأضداد ما اتصف به الكفرةُ إثرَ بيان مآلهم بطريق الوعيد أي آمنوا بآيات ربِّهم ولقائه ﴿وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ من الأعمال ﴿كَانَتْ لَهُمْ﴾ فيما سبق من حكم الله تعالى ووعدِه وفيه إيماءٌ إلى أن أثرَ الرحمةِ يصل إليهم بمقتضى الرأفةِ الأزليةِ بخلاف ما مر من جعل جهنم للكافرين نزلاً فإنه بموجب ما حدث من سوء اختيارِهم ﴿جنات الفردوس﴾ عن مجاهد أن الفردوسَ هو البستانُ بالرومية وقال عكرمة هو الجنةُ بالحبشية وقال الضحاك هو الجنة الملتفّةُ الأشجار وقيل هي الجنةُ التي تُنبتُ ضروباً من النبات وقيل هي الجنةُ من الكرم خاصة وقيل ما كان غالبة كَرْماً وقال المبرد هو فيما سمعتُ من العرب الشجر الملتفِّ والأغلب عليه أن يكون من العنب وعن كعب أنه ليس في الجنان أعلى من جنة الفردوس وفيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وعن رسول الله ﷺ في الجنةِ مائةَ درجةٍ ما بين كلِّ درجةٍ مسيرةُ مائة عام والفردوسُ أعلاها وفيها الأنهارُ الأربعةُ فإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفِردوسَ فإن فوقه عرشَ الرحمن ومنه تفجّر أنهار الجنة ﴿نُزُلاً﴾ خبرُ كانت والجار والمجرور متعلقٌ بمحذوف على أنه حالٌ من نزلاً أو على أنه بيانٌ أو حالٌ من جنات الفردوس والخبرُ هو الجارُّ والمجرورُ فإن جعل النزول بمعنى ما يُهيَّأ للنازل فالمعنى كانت لهم ثمارُ جناتِ الفردوس نزلاً أو جُعلت نفسُ الجنّات نزلاً مبالغةً في الإكرام وفيه إيذانٌ بأنها عند ما أعد الله لهم على ما جرى على لسان النبوة من قوله أَعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين مالا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر بمنزلة النزلِ بالنسبة إلى الضيافة وإن جُعل بمعنى المنْزِل فالمعنى ظاهر