مريم ٥ ٦ يُخيّبه أبداً لا سيما عند اضطرارِه وشدة افتقارِه والتعرض في الموضعين لوصفِ الربوبيةِ المنبئةِ عن إضافة ما فيه صلاحُ المربوبِ مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام لا سيما توسيطُه بين كان وخبرها لتحريك سلسلةِ الإجابةِ بالمبالغة في التضرّع ولذلك قيل إذا أراد العبدُ أن يُستجابَ له دعاؤُه فليدعُ الله تعالى بما يناسبه من أسمائه وصفاتِه (وَإِنّي خِفْتُ الموالى) عطف على قوله تعالى إِنّى وَهَنَ العظم مترتبٌ مضمونه على مضمونه فإن ضَعفَ القُوى وكِبَر السنِّ من مبادئ خوفه عليه السلام من يلي أمرَه بعد موته ومواليه بنو عمه وكانوا أشرارَ بني إسرائيلَ فخاف أن لا يُحسِنوا خلافتَه في أمته ويبدّلوا عليهم دينَهم وقوله
(مِن وَرَائِى) أي بعد موتي متعلقٌ بمحذوف ينساق إليه الذهنُ أي فِعلَ الموالي من بعدي أو جور الموالي وقد قرئ كذلك أو بما في الموالي من معنى الوِلاية أي خِفتُ الذين يلون الأمرَ من ورائي لا يخفت لفساد المعنى وقرئ ورايَ بالقصر وفتح الياء وقرئ خفّت الموالي من ورائي أي قلوا وعجَزوا عن القيام بأمور الدين بعدي أو خفّت الموالي القادرون على إقامة مراسمِ الملة ومصالحِ الأمة من خفَّ القوام أي ارتحلوا مسرعين أي درَجوا قُدّامي ولم يبقَ منهم من به تَقوَ واعتضادٌ فالظرفُ حينئذ متعلقٌ بِخفّتْ (وَكَانَتِ امرأتى عَاقِرًا) أي لا تلد من حينِ شبابها (فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ) كلا الجارّين متعلقٌ بهب لاختلاف معنييهما فاللامُ صلةٌ له ومِنْ لابتداء الغايةِ مجازاً وتقديمُ الأول لكون مدلولِه أهمَّ عنده ويجوز تعلّقُ الثاني بمحذوفٍ وقعَ حالاً من المفعول ولدُنْ في الأصل ظرفٌ بمعنى أولُ غايةِ زمانٍ أو مكان أو غيرِهما من الذوات وقد مر تفصيله في أوائل سورة آل عمران أي أعطِني من مَحْض فضلِك الواسعِ وقدرتِك الباهرةِ بطريق الاختراعِ لا بواسطة الأسباب العادية (وَلِيّاً) أي ولداً من صُلبي وتأخيرُه عن الجارَّين لإظهار كمالِ الاعتناءِ بكون الهبةِ له على ذلك الوجه البديعِ مع ما فيه من التشويق إلى المؤخَّر فإنَّ ما حقَّه التقديمُ إذا أُخرَ تبقى النفسُ مستشرقه فعند ورودِه لها يتمكن عندها فضلُ تمكّنٍ ولأن فيه نوعَ طولٍ بما بعده من الوصف فتأخيرُهما عن الكل أو توسيطُهما بين الموصوف والصفه مما لا يليقُ بجزالةِ النظم الكريم والفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قيلها فإن ما ذِكرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من كبر السن وضعف القُوى وعقرِ المرأة موجبٌ لانقطاع رجائِه عليه السلام عن حصول الولدِ بتوسط الأسبابِ العادية واستيهابِه على الوجه الخارِق للعادة ولا يقدحُ في ذلك أن يكون هناك داعٍ آخرُ إلى الإقبال على الدعاء المذكورِ من مشاهدته عليه السلام للخوارق الظاهرةِ في حق مريمَ كما يعرب عنه قوله تعالى هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ الآية وعدمُ ذكرِه ههنا للتعويل على ذكره هناك كما أن عدمَ ذكرِ مقدمةِ الدعاء هناك للاكتفاء بذكره ههنا فإن الاكتفاءَ بما ذكر في موطنٍ عما تُرك في موطن آخرَ من النكت التنزيلية وقوله تعالى
(يرثني) صفة لوليا وقرئ هو وما عُطف عليه بالجزم جواباً للدعاء أي يرثني من حيث العلمُ والدينُ والنبوةُ فإن الأنبياءَ عليهم الصلاة والسلام لا يورثون المال قال صلى الله عليه وسلم


الصفحة التالية
Icon