مريم ٧٩ ٨٢ كتابةَ جريمةِ المجرمِ سببٌ لعقوبته قطعاً ﴿وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً﴾ مكانَ ما يدّعيه لنفسه من الإمداد بالمال والولد أي نطوّل له من العذاب ما يستحقه أو نزيد عذابه ونضاعفه له لكُفره وافترائِه على الله سبحانه واستهزائِه بآياته العِظام ولذلك أُكّد بالمصدر دَلالةً على فرط الغضب
﴿وَنَرِثُهُ﴾ بموته ﴿مَا يَقُولُ﴾ أي مسمَّى ما يقول ومصداقَه وهو ما أوتيه في الدنيا من المال والولد وفيه إيذانٌ بأنه ليس لما يقوله مصداقٌ موجودٌ سوى ما ذكر أي ننزِع عنه ما آتيناه ﴿وَيَأْتِينَا﴾ يوم القيامة ﴿فَرْداً﴾ لا يصحبه مالٌ ولا ولدٌ كان له في الدنيا فضلاً أن يؤتى ثمةَ زائداً وقيل نزوي عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة ونعطيه ما يستحقه ويأباه معنى الإرث وقيل المرادُ بما يقول نفسُ القول المذكور لا مسمّاه والمعنى إنما يقول هذا القولَ ما دام حياً فإذا قبضناه حُلْنا بينه وبين أن يقوله ويأتينا رافضاً له منفرداً عنه وأنتُ خبيرٌ بأنَّ ذلكَ مبنيٌّ على أن صدورَ القول المذكورِ عنه بطريق الاعتقادِ وأنه مستمرٌّ على التفوّه به راجٍ لوقوع مضمونِه ولا ريب في أن ذلك مستحيلٌ ممن كفر بالبعث وإنما قال ما قال بطريق الاستهزاء وتعليقِ أداءِ دَيْنه بالمُحال
﴿واتخذوا مِن دُونِ الله آلهة﴾ حكايةٌ لجناية عامةٍ للكل مستتبعة لضد ما يرجعون ترتّبه عليها إثرَ حكاية مقالةِ الكافرِ المعهودِ واستتباعِها لنقيض مضمونِها أي اتخذوا الأصنامَ آلهةً متجاوزين الله تعالى ﴿لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً﴾ أي ليتعززوا بهم بأن يكونوا لهم وصلة إليه عز وجل وشفعاءَ عنده
﴿كَلاَّ﴾ ردعٌ لهم عن ذلك الاعتقاد الباطل وإنكارٌ لوقوع ما علّقوا به أطماعَهم الفارغةَ ﴿سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم﴾ أي ستجحد الآلهةُ بعبادتهم لها بأن يُنطِقَها الله تعالى وتقولَ ما عبدتمونا أو سينكر الكفرةُ حين شاهدوا سوءَ عاقبة كفرهم عبادتَهم لها كما في قولِهِ تعالى والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ومعنى قوله تعالى ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً﴾ على الأول تكون الآلهةُ التي كانوا يرجون أن تكون لهم عِزاً ضدّاً للعز أي ذلا وهوانا أو تكون عوناً عليهم وآلةً لعذابهم حيث تُجعل وقود النار وحصب جنهم أو حيث كانت عبادتُهم لها سبباً لعذابهم وإطلاقُ الضدِّ على العَون لما أن عَونَ الرجل يُضادُّ عدوَّه وينافيه بإعانته له عليه وعلى الثاني يكون الكفرة ضدا وأعداء اللآلهة كافرين بها بعد أن كانوا يحبونها كحب الله ويعبُدونها وتوحيدُ الضدِّ لوَحدة المعنى الذي عليه تدور مُضادّتُهم فإنهم بذلك كشيء واحدٍ كما في قولِه عليه السلام وهم يدٌ على من سواهم وقرئ كَلاًّ بفتح الكاف والتنوين على قلب الألفِ نوناً في الوقف قلْبَ ألفِ الإطلاق في قوله
أقِليِّ اللومَ عاذِلَ والعِتابَن | وقولي إن أصبتُ لقد أصابنْ |