إبراهيم ٥ ترتب الاهتداءِ وهذا محقِّقٌ لما سلف من تقييد الإخراجِ مّنَ الظلمات إِلَى النور بإذن الله تعالى (وَهُوَ العزيز) فلا يغالَب في مشيئته (الحكيم) الذي لا يفعلُ شيئاً من الإضلال والهداية إلا لحكمة بالغةٍ وفيه أن ما فُوِّض إلى الرسل إنما هو تبليغُ الرسالة وتبيينُ طريقِ الحقِّ وأما الهدايةُ والإرشادُ إليه فذلك بيد الله سبحانه يفعلُ مَا يشاءُ ويحكُم ما يريد
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى) شروعٌ في تفصيل ما أجمل في قولِه عزَّ وجلَّ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لهم الآية (بآياتنا) أي ملتبساً بها وهي معجزاتُه التي أظهرها لبني إسرائيلَ (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ) بمعنى أي أخرِجْ لأن الإرسالَ فيه معنى القول أو بأن أخرِجْ كما في قوله تعالى وأن أَقِمْ وَجْهَكَ فإن صيغ الأفعال في الدلالةِ على المصدرِ سواءٌ وهو المدارُ في صحة الوصل والمرادُ بذلك إخراجُ بني إسرائيلَ بعد مهلِك فرعون (مِنَ الظلمات) من الكفر والجهالاتِ التي أدتهم إلى أن يقولوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة (إِلَى النور) إلى الإيمان بالله وتوحيده وسائرِ ما أُمروا به (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله) أي بنعمائه وبلائِه كما ينبىء عنه قوله اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ لكن لا بما جرى عليهم فقط بل عليهم وعلى مِن قَبْلِهِم من الأممِ في الأيام الخالية حسبما ينبى عنه قولُه تعالَى أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ الآيات أو بأيامه المنطوية على ذلك كَما يلوحُ بهِ قولُه تعالى إِذْ أَنجَاكُمْ والالتفاتُ من التكلم إلى الغبية بإضافة الأيام إلى الاسم الجليل للإيذان بفخامة شأنِها والإشعارِ بعدم اختصاصِ ما فيها من المعاملة بالمخاطب وقومِه كما تُوهمه الإضافةُ إلى ضمير المتكلم أي عظْهم بالترغيب والترهيب والوعدِ والوعيد وقيل أيامُ الله وقائعُه التي وقعت على الأمم قبلهم وأيامُ العرب وقائعُها وحروبُها وملاحمها أي أنذرهم وقائعَه التي دهمت الأممَ الدارجة ويردّه ما تصدى له ﷺ بصدد الامتثالِ من التذكير بكل من السراء والضراء مما جرى عليهم وعلى غيرهم حسبما يتلى عليك (إِنَّ فِي ذَلِكَ) أي في التذكير بها أو في مجموع تلك النعماءِ والبلاءِ أو في أيامها (لآيات) عظيمة أو كثيرة دالةً على وحدانية الله تعالى وقدرتِه وعلمه وحكمته فهي على الأول عبارةٌ عن الأيام سواءٌ أريد بها أنفسُها أو ما فيها من النعماء والبلاءِ ومعنى ظرفية التذكيرِ لها كونُه مناطاً لظهورها وعلى الثالث عن تلك النعماء والبلاء ومعنى الظرفية ظاهر وأما على الثاني وهو كونُه إشارةً إلى مجموع النعماءِ فعن كل واحدةٍ من تلك النعماء والبلاء والمشارُ إليه المجموعُ المشتمل عليها من حيثُ هو مجموعٌ أو كلمة في تجريديةٌ مثلُها في قولِه تعالَى لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ (لّكُلّ صَبَّارٍ) على بلائه (شَكُورٍ) لنعمائه وقيل مؤمنٍ والتعبيرُ عنهم بذلك للإشعار بأن الصبرَ والشكرَ عنوانُ المؤمن أي لكل مَن يليق بكمال الصبرِ والشكر أو الإيمان ويصير أمرَه إليها لا لمن اتصف بها بالفعل لأنه تعليلٌ للأمر بالتذكير المذكور السابق على التذكير المؤدّي إلى تلك المرتبة فإن من تذكّر ما فاض أو نزل عليه أو على مَنْ قبله من النعماء والبلاءِ وتنبّه لعاقبة الشكر والصبر أو الإيمان لا يكاد يفارقها وتخصيصُ الآيات بهم لأنهم المنتفعون بها لا لأنها خافية


الصفحة التالية
Icon