عن ذلك وانحصارُ مجيءِ فواعل جمعاً لفاعل في فوارس وهو الك ونواكسَ إنما هو في صفات العقلاءِ وأما في غيرهم فلا يراعى ذلك أصلاً كما في قوله تعالى أَيَّامًا معدودات وقوله الحج أَشْهُرٌ معلومات إلى غير ذلك فلا حاجة إلى أن يُجعل مفردُها صفةً لجمع القلة أعني أجبُلاً ويعتبر في جمع الكثرة أعني جبالاً انتظامُها لطائفة من جموع القلة وتنزيلُ كلَ منها منزلة مفردِها كما قيل على أنه لا مجال لذلك فإن جمعيةَ كلَ من صبغتي الجمعَين إنما هي باعتبار الأفرادِ التي تحتها لا باعتبار انتظام جمعِ القلةِ للأفراد وجمعِ الكثرة لجموع القلة فكل منها جمعُ جبلٍ لا أن جبالاً جمعُ أجبل كما أن طوائفَ جمعُ طائفة ولا إلى أن يُلتجأَ إلى جعل الوصفِ المذكور بالغلبة في عداد الأسماءِ التي تُجمع على فواعل كما ظن على أنه لا وجه له لما أن الغلبةَ إنما هي في الجمع دون المفردِ والتعبيرُ عن الجبال بهذا العنوانِ لبيان تفرّعِ قرارِ الأرض على ثباتها ﴿وأنهارا﴾ مجاريَ واسعةً والمرادُ ما يجري فيها من المياه وفي نظمها مع الجبال في معمولية فعلٍ واحد إشارةٌ إلى أن الجبالَ منشأٌ للأنهار وبيانٌ لفائدة أخرى للجبال غيرِ كونها حافظةً للأرض عن الاضطراب المُخِلّ بثبات الأقدام وتقلّب الحيوان متفرّعةً على تمكنه وتقلّبه وهي تعيُّشُه بالماء والكلأ ﴿وَمِن كُلّ الثمرات﴾ متعلقٌ بجعل في قوله تعالى ﴿جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثنين﴾ أي اثنينية حقيقية وهما الفردان اللذان كلٌّ منهما زوجُ الآخر وأكدبه الزوجين لئلا يُفهم أن المرادَ بذلك الشفْعان إذ يطلق الزوجُ على المجموع ولكن اثنينية ذلك اثنينيةً اعتبارية أي جعل من كل نوع من أنواع الثمرات الموجودة في الدنيا ضر بين صنفين إما في اللون كالأبيض والأسود أو في الطعم كالحُلو والحامض أو في القدر كالصغير والكبير أو في الكيفية كالحار والبارد وما أشبه ذلك ويجوز أن يتعلق بجعَلَ الأولِ ويكونَ الثاني استئنافاً لبيان كيفيةِ ذلك الجعْل ﴿يُغْشِى الليل النهار﴾ استعارةٌ تبعيةٌ تمثيليةٌ مبنيَّةٌ على تشبيه إزالةِ نورِ الجو بالظلمة بتغطية الأشياءِ الظاهرةِ بالأغطية أي يستر النهارَ بالليل والتركيب وإن احتمل العكسَ أيضاً بالحمل على تقديم المفعولِ الثاني على الأول فإن ضوء النهار أيضاً ساترٌ لظلمة الليلِ إلا أن الأنسبَ بالليل أن يكون هو الغاشي وعدُّ هذا في تضاعيف الآيات السفلية وإن كان تعلقُه بالآيات العلوية ظاهراً باعتبار أن ظهورَه في الأرض فإن الليل إنما هو ظلُّها وفيما فرق موقعِ ظلها لا ليلَ أصلاً ولأن الليل والنهار لهما تعلقٌ بالثمرات من حيث العقدُ والإنضاج على أنهما أيضاً زوجان متقابلان مثلُها وقرىء يُغشّي من التغشية ﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ﴾ أي فيما ذكر من مد الأرضِ وإيتادِها بالرواسي وإجراءِ الأنهار وخلق الثمرات وإغشاءِ الليل النهارَ وفي الإشارة بذلك تنبيهٌ على عِظَمِ شأنِ المُشار إليه في بابه (لاَيَاتٍ) باهرةً وهي آثارُ تلك الأفاعيل البديعة جلت حكمت صانعِها ففي على معناها فإن تلك الآثارَ مستقرةٌ في تلك الأفاعيل منوطةٌ بها ويجوز أنْ يُشار بذلكَ إلى تلك الآثار المدلولِ عليها بتلك الأفاعيل ففي تجريدية ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فإن التفكر فيها يؤدّي إلى الحكم بأن تكوين كلَ من ذلك على هذا النمط الرائِق والأسلوب اللائق لا بد له من مكوّن قادرٍ حكيم يفعل ما يشاء ويخار ما يريدُ لا معقِّبَ لحكمه وهو الحميد المجيد