الحجر ٩ أفراد كُمَّلِ المؤمنين فكيف على أمثال أولئك الكفرة اللئامِ وإنما الذي يدخُل في حقهم تحت الحكمةِ في الجملة هو التنزيلُ للتعذيب والاستئصالِ كما فُعل بأضرابهم من الأمم السالفة ولو فعل ذلك لاستؤصلوا بالمرة (وَمَا كَانُواْ إِذًا منتظرين) جزاءُ الشرط مقدّرٌ وفيه إيذانٌ بإنتاج مقدِّماتهم لنقيض مطلوبِهم كما في قوله تعالى وَأَذّن لاَّ يَلْبَثُونَ خلافك إِلاَّ قَلِيلاً قال صاحب النظم لفظةُ إذن مركبةٌ من إذ وهو اسمٌ بمعنى الحين تقول أتيتُك إذ جئتني أي حين جئتني ثم ضُمّ إليه أنْ فصار إذْ أن ثم استثقلوا الهمزةَ فحذفوها فمجيءُ لفظة أن دليلٌ على إضمار فعلٍ بعدها والتقدير وما كانوا إذ أَنْ كان ما طلبوه منظَرين والمعنى لو نزّلناهم ما كانوا مؤخَّرين كدأب سائرِ الأممِ المكذبة المستهزِئة ومع استحقاقهم لذلك قد جرى قلمُ القضاء بتأخير عذابِهم إلى يومِ القيامةِ حسبما أُجمل في قولِه تعالَى ذرهم يأكلوا وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأمل الخ وحال حائلُ الحكمةِ بينهم وبين استئصالِهم لتعلق العلمِ والإرادة بازديادهم عذابا وبإيمان بعضِ ذراريهم وأما نظمُ إيمانِ بعضهم في سِمْط الحكمةِ فيأباه مقامُ بيانِ تماديهم في الكفر والفساد ولَجاجِهم في المكابرة والعِناد هَذَا هُو الذي يستدعيه إعجازُ التنزيلِ الجليل وأما ماقيل في تعليل عدمِ موافقةِ التنزيل للحكمة من أنهم حينئذ يكونون مصدّقين عن اضطرار أو أنه لا حكمةَ في أن تأتيَكم بصور تشاهدونها فإنه لا يزيدكم إلا لَبساً أو أن إنزالَ الملائكة لا يكونُ إلا بالحق وحصولِ الفائدةِ بإنزالهم وقد علم الله تعالى من حال هؤلاء الكفارِ أنه لو أَنزل إليهم الملائكةَ لبقُوا مُصرّين على كفرهم فيصير إنزالُهم عبثاً باطلاً ولا يكون حقًّا فمع إخلال كل من ذلك بقطيعة الباقي لا يلزَم من فرض وقوعِ شيءٍ من ذلك تعجيلُ العذاب الذي يفيده قوله تعالى وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ هذا على تقديرِ كونِ اقتراحِهم لإتيان الملائكة لأجل الشهادة إما على تقدير كون ذلك لتعذيبهم فالمعنى إنا ما نُنزل الملائكةَ للتعذيب غلا تنزيلاً مُلتبساً بالحقِّ الذي تقتضيهِ الحكمة وتستدعيه المصلحة حتماً بحيث لا محيد عنه ولو نزلناهم حسبما اقترحوا ما كان ذلك التنزيلُ ملتبساً بمقتضى الحِكمة الموجبةِ لتأخير عذابِهم إلى يومِ القيامةِ لا رفقاً بهم بل تشديداً عليهم كما مر من قبل وحيث كان في نسبة تنزيلِهم للتعذيب إلى عدم موافقتِه الحكمةَ نوعُ إيهامٍ لعدم استحقاقِهم التعذيب عُدِل عما يقتضيه الظاهرُ إلى مَا عليهِ النظمُ الكريمُ فكأنه قيل لو نزلناهم ما كانوا منظَرين وذلك غير موافق للحكمة الموجبة لتأخير عذابِهم لتشديد عقابِهم وقيل المرادُ بالحق الوحيُ وقيل العذاب فتدبر
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر) ردٌّ لإنكارهم التنزيلَ واستهزائِهم برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم بذلك وتسليةٌ له أي نحن بعِظَم شأنِنا وعلوِّ جنابنا نزلنا ذلك الذكرَ الذي أنكروه وأنكروا نزولَه عليك ونسبوك بذلك إلى الجنون وعَمَّوا مُنزِّله حيث بنوَا الفعلَ للمفعول إيماءً إلى أنه أمرٌ لا مصدرَ له وفعلٌ لا فاعلَ له (وَإِنَّا لَهُ لحافظون) من كل مالا يليق به فيدخل فيه تكذيبُهم له واستهزاؤُهم به دخولاً أولياً فيكون وعيداً للمستهزئين وأما الحفظُ عن مجرد التحريفِ والزيادة والنقصِ وأمثالِها فليس بمقتضى المقام فالوجهُ الحملُ على الحفظ من جميع ما يقدح فيه من الطعن فيه والمجادلةِ في حقّيته ويجوزُ أن يراد حفظُه بالإعجاز دليلاً على التنزيل من عنده تعالى إذ لو كان من عند