الحجر ٢٧ ٢٩ مسنونيته ليس في حال كونه صلصالاً بل في حال كونه حمأ كأنه سبحانه أفرغ الحمأ فصور من ذلك تمثال إنسان أجوف فيبس حتى اذا نقر صوت ثم غيره الى جوهر آخر فتبارك الله أحسن الخالقين
(والجآن) أبا الجن وقيل إبليس ويجوزُ أن يرادَ بهِ الجنس كما هو الظاهر من الإنسان لأن تشعب الجنس لما كان من فرد واحد مخلوق من مادة واحدة كان الجنس بأسره مخلوقاً منها وقرىء بالهمزة وانتصابه بفعل يفسره (خَلَقْنَاهُ) وهو أقوى من الرفع للعطف على الجملة الفعلية (مِن قَبْلُ) من قبلِ خلق الانسان ومن هذا يظهر جواز كون المراد بالمستقدمين أحد الثقلين وبالمستأخرين الآخر والخطاب بقوله منكم للكل (مِن نَّارِ السموم) من نار الحر الشديد النافذ في المسام ولا امتناع من خلق الحياة من الأجرام البسيطة كما لا امتناع من خلقها في الجواهر المجردة فضلاً عن الأجسام المؤلفة التي غالب أجزائها الجزء الناري فانها أقبل لها من التي غالب أجزائها الجزء الأرضي وقوله تعالى من نار باعتبار الغالب كقوله تعالى خلقكم من تراب ومساق الآية الكريمة كما هو للدِّلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر وهو قبول المواد للجمع والاحياء
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ) نصب بإضمار اذكر وتذكير الوقت لما مر مرارا من أنه أدخل في تذكير ما وقع فيه من الحوادث وفي التعرُّض لوصفِ الربوبيةِ المنبئةِ عن تبليغُ الشيءِ إلى كماله اللائق به شيئا فشيئا مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام إشعارا بعلة الحكم وتشريف له عليه الصلاة والسلام أي اذكر وقت قوله تعالى (لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ) فيما سيأتي وفيه ماليس في صيغة المضارعِ من الدِّلالةِ على أنَّه تعالى فاعل له اُلبتةَ منْ غيرِ صارفٍ يَثْنيه ولا عاطفٍ يلويه (بَشَراً) أي انساناً قيل ليس هذا عين العبارة الجارية وقت الخطاب بل الظاهر أن يكون قد قيل لهم اني خالقٌ خلقاً من صفته كيتَ وكيتَ ولكن اقتصر عند الحكاية على الاسم وقيل جسماً كثيفاً يلاقى ويُباشر وقيل خلقاً بادى البشر بلا صوف ولا شعرة (مِّن صَلْصَالٍ) متعلق بخالق أو بمحذوف وقع صفة لمفعوله أي بشراً كائناً من صلصال كائن (مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ) تقدم تفسيره ولا ينافي هذا ما في قوله تعالى في سورة ص من قوله بشراً من طين فإن عدم التعرض عند الحكاية لوصف الطين من التغير والأسود ولما ورد عليه من آثار التكوين لا يستلزم عدم التعرض لذلك عند وقوع المحكى غايته أنه لم يتعرض له هناك اكتفاء بما شرح ههنا
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ) أي صوَّرته بالصُّورةِ الإنسانيَّةِ والخِلقةِ البشريَّةِ أو سوَّيتُ أجزاءَ بدنِه بتعديل طبائعهِ (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى) النَّفخُ إجراءُ الرِّيح إلى تجويفِ جسمٍ صالح لإمساكها والامتلاءبها وليس ثَّمةَ نفخٌ ولا منفوخٌ وإنَّما هو تمثيلٌ لإفاضة ما به الحياةُ بالفعل على المادَّةِ القابلة لها أي فإذا كمَّلتُ استعدادَه وأفضت عليه ما يحيا به من الرُّوحِ التي هي من أمري


الصفحة التالية
Icon