الحجر
٣٣ - ٣٥ (قَالَ) أي ابليس وهو أيضا استئنافٌ مبنيٌّ على السؤالِ الذي ينساق اليه الكلام (لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ) اللام لتأكيد النفي أي ينافي حالي ولا يستقيم مني لأني مخلوق من أشرف العناصر وأعلاها أن اسجد (لِبَشَرٍ) أي جسم كثيف (خَلَقْتَهُ مِّن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ) اقتصر ههنا على الاشارة الاجمالية الى ادعاء الخيرية وشرف المادة اكتفاء بما صرح به حين قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ من طين ولم يكتف اللعين بمجرد ذكر كونه عليه الصلاة والسلام من التراب الذي هو أخس العناصر وأسفلها بل تعرض لكونه مخلوقاً منه في أخس أحواله من كونه طينا متغيرا وقد اكتفى في سورة الأعراف وسورة ص بما حكى عنه ههنا فاقتصر على حكاية تعرضه لخلقه عليه الصلاة والسلام من طين وكذا في سورة بني إسرائيل حيث قيل أأسجد لمن خلقت طيناً وفي جوابه دليل على أنَّ قولَه تعالى مالك ليس استفسار عن الغرض بل هو استفسار عن السبب وفي عدوله عن تطبيق جوابِه على السؤال روم للتفصى عن المناقشة وأنى له ذلك كأنه قال لم أمتنع عن امتثال الأمر ولا عن الانتظامِ في سلكِ الملائكة بل عما لا يليق بشأنى من الخضوع للمفضول ولقد جرى خذله الله تعالى على سنن قياس عقيم وزل عنه أنَّ ما يدور عليه فلَكُ الفضل والكمال هو التحلي بالمعارف الربانية والتخلي عن الملكات الردية التي أقبحها الكبر والاستعصاء على أمر رب العالمين جلا جلاله
(قَالَ فاخرج مِنْهَا) أي من زمرة الملائكة المعززين لا من السماء فإنَّ وسوستَه لآدمَ عليه الصلاة والسلام في الجنة إنما كانتْ بعد هذا الطَّردِ وقوله تعالى فاهبط مِنْهَا ليس نصافي ذلك فإن الخروجَ من بين الملإ الأعلى هبوطٌ وأيُّ هبوط أو من الجنة على أن وسوستَه كانت بطريق النداءِ من بابها كما رُوي عن الحسنِ البصْري أو بطريق المشافهة بعد أن احتال في دخولها وتوسّل إليه بالحيّة كما رُوي عن ابنِ عباس رضي الله تعالى عنهما ولا ينافي هذا طردَه على رءوس الأشهاد لما يقتضيه من الحِكَم البالغة (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) مطرودٌ من كلِّ خيرٍ وكرامةٍ فإنَّ مَن يُطرَدْ يُرجَمْ بالحجارةِ أو شيطان يُرجَمُ بالشهب وهو وعيدٌ يتضمن الجوابَ عن شبهته فإن مَن عارض النصَّ بالقياس فهو رجيم ملعون
(وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعنة) الإبعادَ عن الرحمة وحيث كان ذلك من جهة الله سبحانه وإن كان جارياً على ألسنة العبادِ قيل في سورة ص وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى (إلى يَوْمِ الدين) إلى يوم الجزاء والعقوبة وفيه إشعارا بتأخير عقابِه وجزائِه إليه وأن اللَّعنةَ مع كمال فظاعتِها ليست جزاءً لفعله وإنما يتحقق ذلك يومئذ وفيه من التهويل مالا يوصف وجعلُ ذلك أقصى أمدِ اللعنة ليس لأنها تنقطع هنالك بل لأنه عند ذلك يعذَّب بما يَنسى به اللعنة من أفانين العذابِ فتصير هي كالزائل وقيل إنما حدت به لأنه أبعدُ غاية يضربها الناسُ كقوله تعالى خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض وحيث أمكن كونُ تأخير العقوبةِ مع الموت