النحل ٢ العمومِ لأن المراد بأمر الله إنما هو الساعةُ وقد عرفت استحالةَ صدور استعجالِها عن المؤمنين نعم يجوز تخصيصُ الخطاب بهم على تقدير كونِ أمر الله عبارةٌ عن العذابِ الموعودِ للكفرة خاصة لكن الذي يقضي به الإعجازُ التنزيليُّ أنه خاصٌّ بالكفرة كما ستقف عليه ولمّا كان استعجالُهم ذلك من نتائج إشراكِهم المستتبعِ لنسبة الله عزَّ وجلَّ إلى مالا يليق به من العجز والاحتياج إلى الغير واعتقادِ أن واحدا يحجُزه عن إنجاز وعدِه وإمضاء وعيدِه وقد قالوا في تضاعيفه إن صح مجيءُ العذاب فالأصنامُ تخلّصنا عنه بشفاعتها رُدَّ ذلك فقيل بطريق الاستئناف (سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي تنزه وتقدّس بذاته وجل عن إشراكهم المؤدِّي إلى صدور أمثالِ هذه الأباطيلِ عنهم أو عن أنْ يكون له شريكٌ فيدفعَ ما أراد بهم بوجه من الوجوه وصيغةُ الاستقبالِ للدِلالة على تجدد إشراكِهم واستمرارِه والالتفاتُ إلى الغَيبة للإيذانِ باقتضاء ذكرِ قبائحِهم للإعراض عنهم وطرحِهم عن رتبة الخطاب وحكايةِ شنائعهم لغيرهم وعلى تقدير تخصيصِ الخطابِ بالمؤمنين تفوت هذه النُّكتةُ كما يفوت ارتباطُ المنهي عنه بالمتنزه عنه وقُرىء على صيغة الخطاب
(يُنَزّلُ الملائكة) بيانٌ لتحتم التوحيدِ حسبما نُبّه عليه تنبيهاً إجمالياً ببيان تقدّس جنابِ الكبرياءِ وتعاليه عن أن يحوم حول شائبةُ أنْ يشارَكه شيءٌ في شيء وإيذانٌ بأنه دينٌ أجمع عليه جمهورُ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأُمروا بدعوة الناسِ إليه مع الإشارة إلى سر البغتة والتشريعِ وكيفية إلقاءِ الوحي والتنبيهِ على طريق علمِ الرسول ﷺ بإتيان ما أوعدهم به وباقترابه إزاحةً لاستبعادهم اختصاصَه عليه الصلاة والسلام بذلك وإظهاراً لبُطلان رأيهم في الاستعجال والتكذيب وإيثارُ صيغةَ الاستقبالِ للإشعارِ بأن ذلك عادةٌ مستمرةٌ له سبحانه والمرادُ بالملائكة إما جبريلُ عليهِ السَّلامُ قالَ الواحدي يسمَّى الواحدُ بالجمع إذا كان رئيساً أو هُو ومَنْ مَعَهُ من حفَظَة الوحي بأمر الله تعالى وقرىء يُنْزِل من الإنزال وتَنَزَّلُ بحذف إحدى التاءين وعلى صيغةِ المبنيِّ للمفعولِ من التنزيل (بالروح) أي بالوحي الذي من جملته القرآنُ على نهج الاستعارة فإنه يحي القلوب المبتة بالجهل أو يقوم في الدين مقامَ الروح في الجسد والباء متعلقةٌ بالفعل أو بما هو حالٌ من مفعوله أي ملتبسين بالروح (مِنْ أَمْرِهِ) بيانٌ للروحِ الذي أريدَ بهِ الوحيُ فإنَّه أمرٌ بالخيرِ أو حالٌ منِهُ أيْ حالَ كونِه ناشئاً ومبتدأً منه أو صفةٌ له على رأي من جوّز حذفَ الموصول مع بعض صلته أي بالروح الكائن من أمره الناشىءِ منه أو متعلقٌ بينزّل ومِنْ للسببيةِ كالباءِ مثلُ ما في قوله تعالى مّمَّا خطيئانهم أي ينزلهم بأمره (على مَن يَشَاء مِنْ عباده) أن ينزِّلَهم به عليهم لاختصاصهم بصفات تؤهّلهم لذلك (أَنْ أَنْذِرُواْ) بدلٌ من الروح أي ينزلهم ملتبسين بأن أنذِروا أي بهذا القول والمخاطَبون به الأنبياءُ الذين نزلت الملائكةُ عليهم والآمرُ هو الله سبحانه والملائكةُ نَقَلةٌ للأمر كما يُشعر به الباء في المبدَل منه وأن إما مخففةٌ من أنَّ وضميرُ الشأن الذي هو اسمُها محذوفٌ أي ينزلهم ملتبسين بأن