سورة الحج (١٩ ٢١) طاعةٍ وعبادةٍ ومن قضيَّتِه انتفاءُ ذلك عن بعضِهم وقيل هو مرفوعٌ على الابتداء حُذف خبرُه ثقةً بدلالة خبر قسيمه عليه نحو حقَّ له الثَّوابُ والأوَّلُ هو الأَولى لما فيه من التَّرغيبِ في السُّجودِ والطَّاعةِ وقد جُوِّز أنْ يكونَ من النَّاسِ خبراً له أي من النَّاسِ الذين هم النَّاسُ على الحقيقةِ وهم الصَّالحون والمتَّقون وأنْ يكون قوله تعالى ﴿وَكَثِيرٌ﴾ معطوفاً على كثيرٌ الأول للإيذانِ بغاية الكثرةِ ثم يخبر عنهم باستحقاقِ العذابِ كأنَّه قيل وكثير وكثيرٌ من النَّاسِ ﴿حَقَّ عَلَيْهِ العذاب﴾ أي بكفرِه واستعصائه وقرئ حُقَّ بالضمِّ وحقًّا أي حقَّ عليه العذابُ حقًّا ﴿وَمَن يُهِنِ الله﴾ بأن كتبَ عليه الشَّقاوةَ حسبما علمه من صرفِ اختياره إلى الشرِّ ﴿فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾ يُكرمه بالسَّعادةِ وقرئ بفتح الراء على أنه مصدرٌ ميميٌّ ﴿إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاء﴾ من الأشياء التي من جملنها الإكرامُ والإهانةُ
﴿هذان﴾ تعيينٌ لطرفَيْ الخصامِ وإزاحة لما عسى يتبادرُ إلى الوهمِ من كونِه بين كل واحدةٍ من الفرقِ الستِّ وبين البواقي وتحريرٌ لمحلِّه أي فريق المؤمنينَ وفريقُ الكفرة المقسم إلى الفرقِ الخمسِ ﴿خَصْمَانِ﴾ أي فريقانِ مختصمانِ وإنما قيل ﴿اختصموا فِى رَبّهِمْ﴾ حملاً على المعنى أي اختصمُوا في شأنِه عزَّ وجلَّ وقيل في دينه وقيل في ذاته وصفاته والكّل من شئونه تعالى فإنَّ اعتقادَ كلَ من الفريقينِ بحقيَّةِ ما هُو عليه وبُطلانِ ما عليه صاحبُه وبناءَ أقوالِه وأفعالِه عليه خصومةٌ للفريقِ الآخرِ وإنْ لم يجرِ بينهما التَّحاورُ والخصامُ وقيل تخاصمتِ اليَّهودُ والمؤمنونَ فقالتِ اليَّهودُ نحنُ أحقُّ بالله وأقدمُ منكم كتاباً ونبيُّنا قبل نبيِّكم وقال المؤمنون نحنُ أحقُّ بالله منكُم آمنا بمحمد ونبيكم وبما أَنزل الله من كتابٍ وأنتمُ تعرفون كتابَنا ونبيَّنا ثم كفرتُم به حسداً فنزلت ﴿فالذين كَفَرُواْ﴾ تفصيلٍ لَما أُجمل في قوله تعالى يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة ﴿قُطّعَتْ لَهُمْ﴾ أي قُدِّرت على مقاديرِ جثثهم وقرئ بالتَّخفيفِ ﴿ثِيَابٌ مّن نَّارِ﴾ أي نيرانٍ هائلةٍ تحيطُ بهم إحاطةَ الثِّيابِ بلابسِها ﴿يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسَهُمْ الحميم﴾ أي الماءُ الحارُّ الذي انتهتْ حرارتُه قال ابن عباس رضي الله عنهما لو قطرت قطرةٌ منها على جبال الدُّنيا لأذابتَها والجملةُ مستأنفةٌ أو خبرٌ ثانٍ للموصولِ أو حالٌ من ضميرِ لهم
﴿يُصْهَرُ بِهِ﴾ أي يُذاب ﴿مَا فِى بُطُونِهِمْ﴾ من الأمعاء والأحشاء وقرئ يُصهَّر بالتَّشديدِ ﴿والجلود﴾ عطف على مَا وتأخيرُه عنه إمَّا لمراعاة الفواصلِ أو للإشعارِ بغاية شدَّةِ الحرارةِ بإيهامِ أنَّ تأثيرَها في الباطنِ أقدمُ من تأثيرِها في الظَّاهرِ مع أنَّ ملابستَها على العكسِ والجملةُ حالٌ من الحميمُ
﴿وَلَهُمْ﴾ للكفرةِ أي لتعذيبهم وأجلِهم ﴿مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ﴾ جمع مِقْمعةٍ وهي آلةُ القمعِ
﴿كلما أرادوا أن يخرجوا مِنْهَا﴾ أي أشرفُوا على