ليس المرادُ به حالاً ولا استقبالاً وإنَّما هو استمرارُ الصَّدِّ ولذلك حسُن عطفُه على الماضي كما في قوله تعالى الذين آمنوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله وقيلَ هُو حالٌ من فاعل كفروا أي وهم يصدُّون وخبر إنَّ محذوفٌ لدلالة آخرِ الآية الكريمة عليه فإنَّ من ألحدَ في الحرمِ حيثُ عُوقب بالعذاب الأليم فلأنْ يُعاقبَ من جمعَ إليه الكفرَ والصد عن سبيل اله بأشدَّ من ذلك أحقُّ وأولى ﴿والمسجد الحرام﴾ عطف على سبيلِ اللَّهِ قيل المرادُ به مكَّةُ بدليل وصفه بقوله تعالى ﴿الذى جعلناه لِلنَّاسِ﴾ أي كائناً من كان من غير فرقٍ بين مكيَ وآفاقيَ ﴿سَوَاء العاكف فِيهِ والباد﴾ أي المقيم والطارئ وسواء أي مستوياً مفعول ثانٍ لجعلناه والعاكفُ مرتفع به واللاَّمُ متعلِّقٌ به ظرفٌ له وفائدةُ وصفِ المسجدِ الحرامِ بذلك زيادةُ تشنيع الصادين عنه وقرئ سواءٌ بالرَّفعِ على أنَّه خبرُ مقدَّمٌ والعاكفُ مبتدأٌ والجملة مفعول ثانٍ للجعل وقرئ العاكفِ بالجرِّ على أنَّه بدلٌ من النَّاسِ ﴿وَمَن يرد فيه﴾ مما ترك مفعولُه ليتناولَ كلَّ متناول كأنه قبل ومن برد فيه مراداً ما ﴿بِإِلْحَادٍ﴾ بعدولٍ عن القصدِ ﴿بِظُلْمٍ﴾ بغير حقَ وهما حالانِ مترادفانِ أو الثَّاني بدلٌ من الأوَّلِ بإعادة الجارِّ أو صلة أي ملحداً بسبب الظُّلمِ كالإشراك واقتراف الآثام ﴿نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ جواب لمن
﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا﴾ يقال بوَّأهُ منزلاً أي أنزلَه فيه ولمَّا لزمه جعل الثَّاني مباءة للأول قيل ﴿لإبراهيم مَكَانَ البيت﴾ وعليه مَبْنى قولِ ابن عبَّاسٍ رضيَ اله عنهما جعلناهُ أي اذكر وقتَ جعلنا مكانَ البيت مباءةً له عليه السَّلامُ أي مرجعاً يرجع إليه للعمارةِ والعبادةِ وتوجيه الأمرِ بالذِّكرِ إلى الوقت مع أن المقصودَ تذكيرُ ما وقع فيه من الحوادث قد مرَّ بيانُه غيرَ مرَّةٍ وقيل اللاَّمُ زائدةٌ ومكانَ ظرفٌ كما في أصل الاستعمالِ أي أنزلناهُ فيه قيل رفع البيع إلى السَّماءِ أيَّامِ الطُّوفانِ وكان من ياقوتةٍ حمراءَ فأعلم اللَّهُ تعالى إبراهيمَ عليه السَّلامُ مكانَه بريحٍ أرسلها يقال لها الخجوجُ كنست ما حوله فيناه على رأسه القديمِ رُوي أنَّ الكعبةَ الكريمة بُنيت خمس مرَّاتٍ إحداها بناءُ الملائكةِ وكانت من ياقوتةٍ حمراءَ ثمَّ رُفعت أيَّام الطُّوفانِ والثَّانيةُ بناءُ إبراهيمَ عليه السلام والثَّالثة بناءُ قُريشٍ في الجاهليةِ وقد حضر رسولُ الله ﷺ هذا البناءَ والرَّابعةُ بناءُ ابن الزُّبيرِ والخامسةُ بناءُ الحجَّاجِ وقد أوردنا ما في هذا الشَّأنِ من الأقاويل في تفسيرِ قولِه تعالى وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم القواعد مِنَ البيت وأنْ في قولِه تعالَى ﴿أن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً﴾ مفسِّرةٌ لبوَّأنا من حيث إنَّه متضمِّنٌ لمعنى تعبدنا لأن البوئة للعبادة أو مصدريَّةٌ موصولة بالنَّهي وقد مرَّ تحقيقُه في أوائل سورة هود أي فعلنا ذلك لئلاَّ تشركَ بي في العبادة شيئاً ﴿وَطَهّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ والقائمين والركع السجود﴾ أي وطهِّرْ بيتي من الأوثانِ والأقذارِ لمن يطوفُ به ويصلِّي فيه ولعلَّ التَّعبيرَ عن الصَّلاةِ بأركانِها للدِلالة على أنَّ كلَّ واحدٍ منها مستقلٌّ باقتضاء ذلك فكيف وقد اجتمعت وقرئ يُشرك بالياء
﴿وَأَذّن فِى الناس﴾ أي ناد فيهم وقرئ آذان ﴿بالحج﴾ بدعوة