سورة الحج (٣٢ ٣٤) وأو للتَّخييرِ كما في أَوْ كَصَيّبٍ أو للتَّنويعِ ويجوزُ أنْ يكونَ مَنْ باب التَّشبيهِ المُركَّبِ فيكون المعنى وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدْ هلكتْ نفسُه هلاكاً شَبيهاً بهلاكِ أحدِ الهالكينَ
﴿ذلك﴾ أي الأمرُ ذلك أو امتثلُوا ذلك ﴿وَمَن يُعَظّمْ شعائر الله﴾ أي الهَدَايا فإنَّها من معالم الحجِّ وشعائرِه تعالى كما ينبئ عنه والبدن جعلناها لَكُمْ مّن شعائر الله وهو الأوفقُ لما بعده وتعظيمُها اعتقادُ أنَّ التَّقربَ بها من أجلِّ القُرباتِ وأنْ يختارَها حِساناً سِماناً غاليةَ الأثمان روي أنه ﷺ أهدى مائةَ بَدَنةٍ فيها جملٌ لأبي جهلٍ في أنفه بُرَةٌ من ذهبٍ وأن عمر رضي الله عنه أهدى نَجيبةً طُلبتْ منه بثلثمائة دينارٍ ﴿فَإِنَّهَا﴾ أي فإنَّ تعظيمَها ﴿مِن تَقْوَى القلوب﴾ أي من أفعال ذَوي تقوى القلوبِ فحُذفتْ هذه المضافاتُ والعائدُ إلى مَن أو فإن تعظيمها ناشئ من تقوى القلوب وتخصيصُها بالإضافة لأنَّها مراكزُ التَّقوى التي إذا ثبتتْ فيها وتمكَّنتْ ظهر أثرُها في سائر الأعضاءِ
﴿لَكُمْ فِيهَا﴾ أي في الهَدَايا ﴿منافع﴾ هي درُّها ونسلُها وصوفُها وظهرُها ﴿إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ هو وقت نحرِها والتَّصدُّقُ بلحمها والأكلُ منه ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا﴾ أي وجوبُ نحرِها أو وقت نحرِها منتهيةً ﴿إلى البيت العتيق﴾ أي إلى ما يليهِ من الحرمِ وثمَّ للتَّراخي الزَّمانيِّ أو الرُّتَبِّي أي لكم فيها منافعُ دنيويَّةٌ إلى وقتِ نحرِها ثمَّ منافعُ دينيَّةٌ أعظمها في النَّفعِ محلُّها أي وجوبُ نحرِها أو وقت وجوبِ نحرِها إلى البيتِ العتيقِ أي منتهيةً إليه هذا وقد قيل المرادُ بالشَّعائرِ مناسكُ الحجِّ ومعالمُه والمعنى لكُم فيها منافعُ بالأجر والثَّوابِ في قضاءِ المناسكِ وإقامةِ شعائرِ الحجَّ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى هو انقضاءُ أيَّامِ الحجِّ ثمَّ محلُّها أي محلُّ النَّاسِ من إحرامهم إلى البيتِ العتيقِ أي منتهٍ إليه بأن يطوفُوا به طوافَ الزِّيارةِ يومَ النَّحرِ بعد قضاء المناسكِ فإضافةُ المحلِّ إليها لأدنى ملابسةٍ
﴿وَلِكُلّ أُمَّةٍ﴾ أي لكلِّ أهلِ دينٍ ﴿جَعَلْنَا مَنسَكًا﴾ أي مُتعبَّداً وقُرباناً يتقرَّبون به إلى الله عزَّ وجلَّ وقرئ بكسر السِّين أي موضعُ نُسُكٍ وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على الفعل للتَّخصيص أي لكل أمة من الأمم جعلنا منسكاً لا لبعضٍ دونَ بعضٍ ﴿لّيَذْكُرُواْ اسم الله﴾ خاصَّةً دون غيرِه ويجعلُوا نسيكتهم لوجهه الكريمِ عُلِّل الجعلُ به تنبيهاً على أنَّ المقصودَ الأصليَّ من المناسكِ تذكُّرُ المعبودِ ﴿على مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام﴾ عند ذبحِها وفيه تنبيه على أن القُربان يجبُ أنْ يكونَ من الأنعام والخطابُ في قولِه تعالَى ﴿فإلهكم إله واحد﴾ للكلِّ تغليباً والفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قبلَها فإنَّ جعلَه تعالى لكل أمة من الأُمم مَنْسكاً ممَّا يدلُّ على وحدانيَّته تعالى وإنَّما قيل إله واحدٌ ولم يُقل واحدٌ لما أنَّ المرادَ بيانُ أنَّه تعالى واحدُ في ذاتهِ كما أنَّه واحدٌ في إلهيته للكلِّ والفاءُ في قوله تعالى ﴿فَلَهُ أَسْلِمُواْ﴾ لترتيب ما بعَدَها منَ الأمر بالإسلام على وحدانيَّتهِ تعالى وتقديم الجار والمجرور على الأمر


الصفحة التالية
Icon