سورة الحج (٤٦ ٤٧) ﴿على عُرُوشِهَا﴾ أي سُقوفِها بأنْ تعطَّل بنيانُها فخرَّتْ سقوفُها ثم تهدَّمتْ حيطانُها فسقطتْ فوق السُّقوفِ وإسنادُ السُّقوطِ على العُروش إليها لتنزيلِ الحيطانِ منزلةَ كلِّ البنيانِ لكونها عمدةً فيه وإمَّا بمعنى الخُلوِّ من خَوَى المنزلُ إذا خَلاَ من أهله فالمعنى فهي خالية مع بقاء عروشها وسلامتها فتكونُ على بمعنى مع ويجوز أن يكونَ عَلَى عُروشها خبراً بعد خبرٍ أي فهي خالية وهي على عُروشها أي قائمةٌ مشرفةٌ على عروشِها على معنى أنَّ السُّقوفَ سقطتْ إلى الأرضِ وبقيتْ الحيطانُ قائمةً فهي مشرفة على السُّقوفِ السَّاقطةِ وإسنادُ الإشرافِ إلى الكلِّ مع كونِه حال الحيطانِ لما مرَّ آنِفاً ﴿وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ﴾ عطفٌ على قريةٍ أي وكم بئر عارة في البوادي تُركت لا يُستقى منها لهلاكِ أهلِها وقرئ بالتَّخفيفِ من أعطلَه بمعنى عطَّله ﴿وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ﴾ مرفوعِ البنيانِ أو مجصَّصٍ أخليناهُ عن ساكنيهِ وهذا يؤيِّد كونَ معنى خاويةٌ على عروشِها خاليةً مع بقاء عروشِها وقيل المراد بالبئرِ بئرٌ بسفحِ جبلٍ بحضْرَمَوت وبالقصرِ قصرٌ مشرفٌ على قُلَّتهِ كانا لقومِ حنظلةَ بنِ صفوانَ من بقايا قومِ صالحٍ فلما قتلُوه أهلكَهم الله تعالى وعطَّلهما
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرض﴾ حثٌّ لهم أن يُسافروا ليرَوا مصارع المهلَكين فيعتبروا وهمُ وإنْ كانُوا قد سافروا فيها ولكنَّهم حيث لم يُسافروا للاعتبارِ جُعلوا غيرَ مسافرين فحثُّوا على ذلك والفاءُ لعطفِ ما بعدها على مقدَّرٍ يقتضيه المقام أي أغفِلُوا فلم يسيروا فيها ﴿فَتَكُونَ لَهُمْ﴾ بسبب ما شاهدُوه من موادِّ الاعتبار ومظانِّ الاستبصار ﴿قُلُوبٌ يعقلون بِهَا﴾ ما يجبُ أنْ يعقل من التوحيد ﴿أو آذان يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ ما يجبُ أنْ يُسمع من الوحيِ أو من أخبارِ الأُممِ المُهلَكة ممَّن يُجاورهم من النَّاسِ فإنَّهم أعرف منهم بحالِهم ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار﴾ الضَّميرُ للقصَّةِ أو مبهمٌ يفسِّرُه الأبصارُ وفي تعمى ضمير راجعٌ إليه وقد أقيم الظَّاهرُ مُقامَه ﴿ولكن تعمى القلوب التى فِى الصدور﴾ أي ليس الخلل في مشارهم وإنَّما هو في عقولِهم باتِّباع الهَوَى والانهماكِ في الغَفْلةِ وذكر الصُّدورِ للتَّأكيدِ ونفيِ تَوهُّمِ التَّجوزِ وفضل التَّنبيه على أنَّ العَمَى الحقيقيَّ ليس المتعارف الذي يختصُّ بالبصر قيل لمَّا نزل قوله تعالى وَمَن كَانَ فِى هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى قال ابنُ أُمِّ مكتومٍ يا رسولَ الله أنا في الدُّنيا أعمى أفأكونُ في الآخرةِ أعمى فنزلت
﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب﴾ كانوا منكرين لمجئ العذابِ المتوعَّدِ به أشدَّ الإنكارِ وإنَّما كانوا يستعجلون به استهزاءً برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم وتعجيزاً له على زعمِهم فحَكَى عنهم ذلك بطريقِ التَّخطئةِ والاستنكارِ فقوله تعالى ﴿وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ﴾ إما جملة حالية جئ بها لبيانِ بُطلانِ إنكارِهم لمجيئه في ضمن استعجالِهم به وإظهار خطئِهم فيه كأنَّه قيل كيف يُنكرون مجئ العذابِ الموعود والحالُ أنَّه تعالى لا يُخلف وعدَه أبداً وقد سبق الوعدُ فلابد من مجيئِه حتماً أو اعتراضية مبينة لمَا ذُكر وقولُه تعالى ﴿وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كألف سنة مما تعدون﴾ جملة مستأنفة إنْ كانت الأُولى حاليَّةً ومعطوفةٌ عليها إنْ كانتْ اعتراضيةً سيقت لبيان