سورة الحج (٦١ ٦٥) فيعفُو عن المنتصرِ ويغفرُ له ما صدرَ عنه من ترجيحِ الانتقامِ على العفوِ والصبرِ المندوبِ إليهما بقوله تعالى وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ أي ما ذُكر من الصَّبرِ والمغفرةِ لَمِنْ عَزْمِ الأمور فإنَّ فيه حثًّا بليغاً على العفوِ والمغفرةِ فإنَّه تعالى مع كمالِ قُدرتِه لمَّا كانَ يعفُو ويغفُر فغيرُه أَوْلى بذلك وتنبيهاً على أنَّه تعالى قادرٌ على العقوبةِ إذ لا يُوصف بالعفوِ إلاَّ القادرُ على ضدِّهِ
﴿ذلك﴾ إشارةٌ إلى النَّصر وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبته ومحله الرفع على الابتداء خبرُهُ قولُه تعالى ﴿بِأَنَّ الله يولج الليل فِى النهار وَيُولِجُ النهار في الليل﴾ أي بسببِ أنَّه تعالى من شأنه وسننه تغليبُ بعض مخلوقاته على بعضٍ والمداولةُ بين الأشياءِ المتضادَّةِ وعبَّر عن ذلك بإدخالِ أحدِ المَلَوين في الآخرِ بأنْ يزيد فيه ما ينقص على الآخرِ أو بتحصيلِ أحدِهما في مكان الآخر لكونه أظهرَ الموادِّ وأوضحَها ﴿وَأَنَّ الله سَمِيعٌ﴾ بكلِّ المسموعاتِ التي من جُملتها قول الماقب ﴿بَصِيرٌ﴾ بجميع المُبصراتِ ومن جُملتها أفعاله
﴿ذلك﴾ أي الاتِّصافُ بما ذُكر من كمال القدرة والعلمِ وما فيه من معنى البُعدِ لما مر آنِفاً وهو مبتدأٌ خبرُه قولُه تعالى ﴿بأن الله هُوَ الحق﴾ الواجبُ لذاته الثَّابتُ في نفسِه وصفاتِه وأفعالِه وحدَهُ فإنَّ وجوبَ وجودِه ووحدتِه يقتضيانِ كونَه مبدأً لكُلِّ ما يُوجدُ من الموجوداتِ عالِماً بكلِّ المعلوماتِ أو الثَّابتُ إلهية فلا يصلح لها إلاَّ مَن كان عالماً قادراً ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ من دونه﴾ إلها وقرئ على البناءِ للمفعولِ على أن الواو لما فإنه عبارة عن الآلهة وقرئ بالتَّاءِ على خطابِ المُشركين ﴿هُوَ الباطل﴾ أي المعدومُ في حدِّ ذاتِه أو الباطلُ ألوهيَّتُه ﴿وَأَنَّ الله هُوَ العلى﴾ على جميعِ الأشياءِ ﴿الكبير﴾ عن أنْ يكون له شريكٌ لا شيء أعلى منه شأناً وأكبر سلطاناً
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزل من السماء ماء﴾ استفهام تقرير كما يفصح عنه الرفعُ في قوله تعالى ﴿فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً﴾ بالعطف على أنزلَ وإيثار صيغةَ الاستقبالِ للإشعارِ بتجدُّدِ أثرِ الإنزالِ واستمرارِه أو لاستحضارِ صورةِ الاخضرارِ ﴿إِنَّ الله لَطِيفٌ﴾ يصل لطفُه أو علمُه ألى كلِّ ما جلَّ ودقَّ ﴿خَبِيرٌ﴾ بما يليقُ من التَّدابيرِ الحسنةِ ظاهراً وباطناً
﴿له ما في السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ خَلْقاً ومُلْكاً وتصَرُّفاً ﴿وَإِنَّ الله لَهُوَ الغنيُّ﴾ عن كلِّ شيءٍ ﴿الحميد﴾ المستوجبُ للحمدِ بصفاته وأفعاله
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله سخر لَكُم مَّا فِى الارض﴾ أي جعلَ ما فيها من الأشياءِ مذلَّلةً لكم معدَّةً لمنافعكم تتصرَّفون فيها كيفَ شئتُم فلا


الصفحة التالية
Icon