سورة الحج (٦٨ ٧١) عن مازعنهم فلا يساعده المقام وقرئ فلا ينزعنَّك على تهييجِه ﷺ والمبالغةِ في تثبيتِه وأيًّا ما كان فمحلُّ النِّزاعِ ما ذكرناهُ وتخصيصُه بأمر النسائك وجعلُه عبارةً عن قول الخُزاعيين وغيرِهم للمسلمينَ ما لكم تأكُلون ما قتلتُم ولا تأكاوا ما قتلَه الله تعالى مما لا سبيلَ إليه أصلاً كيف لا وأنَّه يستدعِي أن يكونَ أكلُ الميتةِ وسائرُ ما يدينونَه من الأباطيلِ من جملة المناسكِ التي جعلها الله تعالى لبعضِ الأُممِ ولا يرتابُ في بُطلانِه عاقلٌ ﴿وادع﴾ أي وادعُهم أو وادعُ النَّاسَ كافَّةً على أنَّهم داخلونَ فيهم دُخولاً أولياً ﴿إلى رَبّكَ﴾ إلى توحيدِه وعبادتِه حسبما بُيِّن لهم في منسكِهم وشريعتِهم ﴿إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي طريقٍ موصِّلٍ إلى الحقِّ سويّ والمرادُ به إما الدِّينُ والشَّريعةُ أو أدلنها
﴿وَإِن جادلوك﴾ بعد ظهورِ الحقِّ بما ذُكر من التَّحقيق ولزومِ الحُجَّةِ عليهم ﴿فَقُلْ﴾ لهم على سبيل الوعيدِ ﴿الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الأباطيلِ التي من جُملتها المجادلةُ
﴿الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ يفصل بين المؤمنين منكُم والكافرينَ ﴿يَوْمُ القيامة﴾ بالثَّوابِ والعقابِ كما فصَل في الدُّنيا بالحججِ والآياتِ ﴿فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ من أمرِ الدِّينِ
﴿أَلَمْ تَعْلَمْ﴾ استئنافٌ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبله والاستفهامُ للتَّقرير أي قد علمتَ ﴿أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِى السماء والأرض﴾ فلا يَخْفى عليه شيءٌ من الأشياء التي من جملتها ما يقوله الكَفَرةُ وما يعملونَهُ ﴿إِنَّ ذلك﴾ أي ما فى السماء والأرض ﴿فِى كتاب﴾ هو اللَّوحُ قد كُتب فيه قبل حدوثِه فلا يُهمنَّك أمرُهم مع علمِنا به وحفظِنا له ﴿إِنَّ ذلك﴾ أي ما ذُكر من العلمِ والإحاطةِ به وإثباتِه في اللوح أو الحكم ببينكم ﴿عَلَى الله يَسِيرٌ﴾ فإنَّ علمَه وقدرتَه مُقتضى ذاتِه فلا يَخْفى عليه شيءٌ ولا يعسرُ عليه مقدورٌ
﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ حكايةٌ لبعض أباطيلِ المشركينَ وأحوالِهم الدَّالَّةِ على كمال سخافةِ عقولِهم وركاكةِ آرائِهم من بناء أمرِ دينِهم على غيرِ مَبْنى من دليلٍ سمعيَ أو عقليَ وإعراضِهم عمَّا أُلقي عليهم من سلطانٍ بيِّنٍ هو أساسُ الدِّينِ وقاعدتُه أشدَّ إعراضٍ أي يعبدُون متجاوزينَ عبادةَ الله ﴿مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ﴾ أي بجوازِ عبادتِه ﴿سلطانا﴾ أي حجَّةً ﴿وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ﴾ أي بجواز عبادتِه ﴿عِلْمٍ﴾ من ضرورة العقلِ أو استدلاله ﴿وَمَا للظالمين﴾ أي الذينَ ارتكبُوا مثل هذا الظُّلمِ العظيمِ الذي يقضي ببطلانِه وكونِه ظُلماً بديهةُ العقولِ ﴿مِن نَّصِيرٍ﴾ يساعدُهم بنصرةِ مذهبِهم وتقريرِ رأيهم أو بدفعِ العذابِ الذي يعتريهم بسبب ظلمهم


الصفحة التالية
Icon