سورة الحج (٧٨) ﴿وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ﴾ بسائر ما تعبَّدكم به ﴿وافعلوا الخير﴾ وتحرَّوا ما هو خيرٌ وأصلحُ في كلِّ ما تأتون وما تذرونَ كنوافلِ الطَّاعاتِ وصلةِ الأرحامِ ومكارمِ الأخلاقِ ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي افعلُوا هذه كلَّها وأنتُم راجُون بها الفلاحَ غيرَ متيقنينَ له واثقينَ بأعمالكم والآيةُ آيةُ سجدةٍ عند الشافعي رحمه الله لظاهر ما فيها من الأمر باسجود ولقوله ﷺ فُضِّلتْ سورةُ الحجِّ بسجدتينِ مَن لم يسجدْهُما فلا يقرأها
﴿وجاهدوا فِى الله﴾ أي لله تعالى ولأجلِه أعداءَ دينِه الظاهرة كأهلِ الزَّيغِ والباطنةِ كالهَوَى والنَّفسِ وعنه ﷺ أنَّه رجعَ من غزوةِ تبوكَ فقال رجعنا من الجهادِ الأصغرِ إلى الجهادِ الأكبرِ ﴿حَقَّ جهاده﴾ أي جهاداً فيه حقًّا خالصاً لوجهه فعكسَ وأضيف الحقُّ إلى الجهادِ مبالغةً كقولِك هو حقٌّ عالمٌ وأُضيف الجهادُ إلى الضَّمير اتِّساعاً أو لأنَّه مختصٌّ به تعالى من حيثُ أنَّه مفعولٌ لوجهِه ومن أجلِه ﴿هُوَ اجتباكم﴾ أي هو اختاركُم لدينِه ونصرتِه لا غيرُه وفيه تنبيهٌ على ما يقتضي الجهادَ ويدعُو إليه ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدين مِنْ حَرَجٍ﴾ أي ضيقٍ بتكليف ما يشقُّ عليكم إقامتُه إشارة إلى أنَّه لا مانعَ لهم عنْهُ ولا عذرَ لهم في تركِه أو إلى الرُّخصةِ في إغفالِ بعضِ ما أمرَهم به حيث يشقُّ عليهم لقولِه ﷺ إذا أمرتُكم بشيءٍ فأتُوا منه ما استطعتُم وقيل ذلك بأنْ جعلَ لهم من كلِّ ذنبٍ مخرجاً بأنْ رخَّص لهم في المضايقِ وفتحَ لهم بابَ التَّوبةِ وشرَع لهم الكفَّاراتِ في حقوقِه والأروشَ والدِّياتِ في حقوقِ العبادِ ﴿مّلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم﴾ نُصب على المصدرِ بفعلٍ دلَّ عليه مضمونُ ما قبلَه بحذفِ المضافِ أي وسع عليكم دينَكم توسعةَ ملَّةِ أبيكم أو على الإغراءِ أو على الاختصاصِ وإنَّما جعله أباهم لأنَّه أبوُ رسولِ الله ﷺ وهو كالأبِ لأمَّتِه من حيثُ أنَّه سببٌ لحياتِهم الأبديَّةِ ووجودِهم على الوجه المعتدِّ به في الآخرةِ أو لأنَّ أكثرَ العربِ كانوا من ذريته صلى الله عيه وسلم فغُلِّبُوا على غيرِهم ﴿هُوَ سماكم المسلمين مِن قَبْلُ﴾ في الكتبِ المُتقدِّمةِ ﴿وَفِى هذا﴾ أي في القرآنِ والضَّميرُ لله تعالى ويُؤيِّده أنه قرئ الله سمَّاكُم أو لإبراهيمَ وتسميتُهم بالمسلمينَ في القُرآن وإنْ لم تكُنْ منه ﷺ كانت بسببِ تسميته من قبلُ في قوله وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وقيل وفي هذا تقديرُه وفي هذا بيانُ تسميتِه إيَّاكم المسلمينَ ﴿لِيَكُونَ الرسول﴾ يومَ القيامةِ متعلِّقٌ بسمَّاكُم ﴿شَهِيداً عَلَيْكُمْ﴾ بأنَّه بلَّغكُم فيدلُّ على قبولِ شهادتِه لنفسِه اعتماداً على عصمتِه أو بطاعة مَن أطاعَ وعصيانِ مَن عصى ﴿وَتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس﴾ بتبليغِ الرسل إليهم ﴿فأقيموا الصلاة وآتَوْا الزَّكَاةَ﴾ أي فتقرَّبُوا إلى الله بأنواع الطاعات وتخصيصهما بالذكرلأنافتهما وفضلِهما ﴿واعتصموا بالله﴾ أي ثقُوا به في مجامعِ أمورِكم ولا تطلبُوا الإعانةَ والنُّصرةَ إلاَّ منْه ﴿هُوَ مولاكم﴾ ناصرُكم ومتولِّي أمورِكم ﴿فَنِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير﴾ هو إذْ لا مثلَ له في الوَلاَيةِ والنُّصرةِ


الصفحة التالية
Icon