سورة المؤمنون (٢٤ ٢٥) لإله باعتبارِ محلِّه الذي هو الرفعِ على أنَّه فاعلُ أو مبتدأٌ خبرُه لكُم أو محذوفٌ ولكُم للتَّخصيصِ والتَّبيينِ أي ما لكُم في الوجودِ أو في العالمِ إله غيرُه تعالى وقرئ بالجرِّ باعتبار لفظه ﴿أَفَلاَ تتقون﴾ أي أفلا تقوت أنفسَكم عذابَه الذي يستوجبه ما أنتم عليه من ترك عبادته كما يفصحُ عنه قولُه تعالى إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ وقولُه تعالى عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ وقيل أفلا تخافون أنْ ترفضُوا عبادة الله الذي هو ربُّكم الخ وليس بذاكَ وقيل أفلا تخافون أنْ يُزيل عنكم نعمَه الخ وفيهِ ما فيهِ والهمزةُ لإنكارِ الواقعِ واستقباحِه والفاء للعطف على مقدر يقتضيهِ المقامُ أي أتعرفون ذلك أي مضمونَ قولِه تعالى مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ فلا تتَّقون عذابَه بسبب إشراكِكم به في العبادة ما لا يستحقُّ الوجودَ لولا إيجادُ الله تعالى إيَّاهُ فضلاً عن استحقاقِ العبادة فالمنكر عدمُ الاتِّقاءِ مع تحقُّق ما يُوجبه أو ألا تلاحِظون ذلكَ فلا تتَّقُونه فالمنكر كلا الأمرين فالممالعة حينئذٍ في الكميَّةِ وفي الأوَّلِ في الكيفيَّةِ
﴿فَقَالَ الملأ﴾ أي الأشراف ﴿الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ﴾ وصف الملأ بما ذُكر مع اشتراك الكلِّ فيه للإيذان بكمال عراقتِهم في الكُفرِ وشدَّةِ شكيمتهم فيه أي قالوا لعوامِّهم ﴿مَا هذا إلا بشر مثلكم﴾ أي في الجنسِ والوصفِ من غير فرقٍ بينكم وبينَه وصفوه عليه السَّلامُ بذلك مبالغةً في وضع رتبته العالية وحطِّها عن منصب النُّبوة ﴿يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ أي يريدُ أنْ يطلبَ الفضلَ عليكم ويتقدَّمكم بادِّعاءِ الرَّسالةِ مع كونهِ مثلكم وصفوه بذلك إغضاباً للمُخاطبين عليه عليه السَّلامُ وإغراءً لهم على معاداته عليه السَّلامُ وقولُه تعالى ﴿وَلَوْ شَاء الله لاَنزَلَ ملائكة﴾ ) بيانٌ لعدم رسالة البشر على الإطلاقِ على زعمِهم الفاسدِ بعد تحقيق بشريَّتهِ عليه السَّلامُ أي لو شاء الله تعالى إرسالَ الرَّسولِ لأرسل رُسُلاً من الملائكة وإنَّما قيل لأنزل لأنَّ إرسالَ الملائكة لا يكونُ إلا بطريقِ الإنزالِ فمفعولُ المشيئة مطلقُ الإرسالِ المفهوم من الجواب لأنفس مضمونِه كما في قوله تعالى وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ ونظائره ﴿مَّا سَمِعْنَا بهذا﴾ أي بمثل هذا الكلامِ الذي هو الأمرُ بعبادة الله خاصَّةً وتركُ عبادة ما سواه وقيل بمثل نوحٍ عليه السَّلامُ في دعوى النُّبوةِ ﴿في آبائنا الأولين﴾ أي الماضين قبلِ بعثتِه عليه السَّلامُ قالوه إمَّا لكونهم وآبائهم في فترة متطاولةٍ وإما لفرطِ غلوِّهم في التكذيب والعناد وأنهما كهم في الغيِّ والفساد وأيَّا ما كان فقولُهم هذا ينبغي أنْ يكونَ هو الصادر عنهم في مبادئ دعوتهِ عليه السَّلامُ كما تنبئ عنه الفاء في قوله تعالى فَقَالَ الملا الخ وقيل معناه ماسمعنا به عليه السَّلامُ أنَّه نبيٌّ فالمرادُ بآبائِهم الأوَّلين الذين مضموا قبلهم في زمنِ نوحٍ عليه السَّلامُ وقولهم المذكور هو الذي صدر عنهم في أواخرِ أمرِه عليه السَّلامُ وهو المناسبُ لما بعدَه من حكاية دُعائهِ عليه السَّلامُ وقولهم
﴿إِنْ هُوَ﴾ أي مَا هو ﴿إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ أي جُنونٌ أو جنٌّ يخيلونه ولذلك يقولُ ما يقولُ ﴿فَتَرَبَّصُواْ بِهِ﴾ أي احتمِلوه واصبِروا عليه وانتظروا ﴿حتى حِينٍ﴾ لعلَّه يُفيقُ ممَّا فيه محمول حينئذ


الصفحة التالية
Icon