سورة المؤمنون (٣٣ ٣٥) موضعاً للإرسالِ كَما في قولِه تعالى كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِى أُمَّةٍ ونحوه لا غايةً له كما في مثلِ قولِه تعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ للإيذانِ من أولِ الأمرِ بأنَّ مَن أُرسل إليهم لم يأتِهم من غير مكانِهم بل إنَّما نشأَ فيما بين أظهرِهم كما ينبئ عنه قولُه تعالى ﴿رَسُولاً مّنْهُمْ﴾ أي من جُملتهم نسباً فإنَّهما عليهما السَّلامُ كانا منهم وأنْ في قولِه تعالَى ﴿أن اعبدوا الله﴾ مفسِّرةٌ لأرسلنا لتضمُّنِه معنى القولِ أي قُلنا لهم على لسانِ الرَّسولِ اعبدُوا الله تعالى وقولُه تعالى ﴿مَّا لَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ﴾ تعليلٌ للعبادة المأمورة بها أو للأمرِ بها أو لوجوبِ الامتثالِ بهِ ﴿أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ أي عذابَه الذي يستدعيه ما أنتُم عليه من الشِّركِ والمعاصي والكلامُ في العطفِ كالذي مرَّ في قصَّةِ نوحٍ عيه السَّلامُ
﴿وَقَالَ الملا مِن قَوْمِهِ﴾ حكايةٌ لقولهم الباطل إثرَ حكاية القول الحقِّ الذي ينطق به حكايةُ إرسال الرَّسولِ بطريق العطفِ على أنَّ المرادَ حكايةُ مطلقِ تكذيبهم له عليه السَّلامُ إجمالاً لا حكايةُ ما جَرى بينَهُ عليه السَّلامُ وبينهم من المُحاورةِ والمُقاولةِ تفصيلاً حتَّى يُحكى بطريقِ الاستئنافِ المبنيِّ على السؤال كما ينبئ عنه ما سيأتي من حكايةِ سائر الأُمم أي وقال الأشرافُ من قومِه ﴿الذين كَفَرُواْ﴾ في محلِّ الرَّفعِ على أنَّه صفةٌ للملأُ وُصفوا بذلك ذمًّا لهم وتنبيهاً على غلوِّهم في الكُفرِ وتأخيرُه عن مِن قومِه لعطفِ قوله تعالى ﴿وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء الأخرة﴾ وما عُطف عليه على الصِّلةِ الأُولى أي كذَّبُوا بلقاء ما فيها من الحسابِ والثَّوابِ والعقابِ أو بمعادِهم إلى الحياة الثَّانيةِ بالبعث ﴿وأترفناهم﴾ ونعَّمناهم ﴿فِى الحياة الدنيا﴾ بكثرةِ الأموالِ والأولادِ أي قالوا لأعقابهم مضلِّين لهم ﴿مَا هذا إلا بشر مثلكم﴾ أي في الصِّفاتِ والأحوالِ وإيثارُ مئلكم على مثلنا للمبالغة في تهوين أمره عليه لاسلام وتوهينِه ﴿يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ تقريرٌ للمماثلة وما خبريةٌ والعائدُ إلى الثَّاني منصوبٌ محذوف أو مجرور قد حُذف مع الجارِّ لدلالةِ ما قبله عليه
﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مّثْلَكُمْ﴾ أي فيما ذكر من الأحوالِ والصِّفات أي إنِ امتثلتم بأوامر ﴿إِنَّكُمْ إِذاً﴾ أي على تقديرِ الاتباع ﴿لخاسرون﴾ عقولكم ومغبونون في آرائكم حيث أذللتم أنفسكم انظر كيف جعلُوا اتباعَ الرَّسولِ الحقِّ الذي يوصِّلُهم إلى سعادةِ الدَّارينِ خُسراناً دُون عبادةِ الأصنامِ التي لا خُسرانَ وراءها قاتلهم الله أنَّى يُؤفكون وإذاً وقع بين اسمِ إنَّ وخبرِها لتأكيد مضمون الشَّرطِ والجملةُ جوابٌ لقسمٍ محذوفٍ قبل إنِ الشَّرطيةِ المصدَّرةِ باللام الموطئةِ أي وبالله لئن أطعتمُ بشراً مثلَكم إنَّكم إذاً لخاسرونَ
﴿أَيَعِدُكُمْ﴾ استئنافٌ مَسوقٌ لتقرير ما قبله من زجرهم عن اتِّباعِه عليه السَّلامُ بإنكار وقوع ما يدعُوهم إلى الإيمان به واستبعاده ﴿أَنَّكُمْ إِذَا مِتّم﴾ بكسر الميمِ من مات يموت وقرئ بضمها من مات