سورة المؤمنون (٤٢ ٤٤) الرِّيحُ العقيمُ أُصيبوا في تضاعيفها بصيحةٍ هائلةٍ أيضاً وقد رُوي أنَّ شدَّادَ بن عاد حين أتم بناءُ إرمَ سار إليها بأهلِه فلمَّا دنا منها بعثَ الله عليهم صيحةً من السَّماءِ فهلكُوا وقيل الصَّيحةُ نفسُ العذابِ والموتِ وقيل هي العذابُ المصطَلِمُ قال قائلُهم... صاحَ الزَّمانُ بآلِ بَرمكَ صيحة... خَرُّوا لشدَّتِها عَلَى الأذقانِ...
﴿بالحق﴾ متعلِّقٌ بالأخذ أي بالأمرِ الثَّابتِ الذي لا دفاعَ له أو بالعدل من الله تعالى أو بالوعد الصِّدقِ ﴿فجعلناهم غُثَاء﴾ أي كغُثاءِ السَّيلِ وهو حَميلُه ﴿فَبُعْداً لّلْقَوْمِ الظالمين﴾ إخبار أو دعاء وبُعداً من المصادر التي لا يكادُ يُستعمل ناصبُها والمعنى بعدُوا بُعداً أي هلكُوا واللامُ لبيانِ مَن قيلَ له بُعداً ووضعُ الظَّاهر موضعَ الضَّميرِ للتَّعليلِ
﴿ثم أنشأنا من بعدهم﴾ أي بعد هلاكِهم ﴿قُرُوناً آخرين﴾ هم قومُ صالحٍ ولوطٍ وشعيبٍ عليهم السَّلامُ وغيرُهم
﴿مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا﴾ أي ما تتقدَّمُ أمة من الأمم المهلكة الوقت الذي عُيِّن لهلاكِهم أي ما تهلكُ أمةٌ قبل مجئ أجلها ﴿وما يستأخرون﴾ ذلك الأجلَ بساعةٍ وقوله تعالى
﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا﴾ عطفٌ على أنشأنا لكنْ لا على مَعْنى أنَّ إرسالَهم مُترَاخٍ عن إنشاء القُرون المذكورةِ جميعاً بل على مَعْنى أنَّ إرسالَ كلِّ رسولٍ متأخِّرٌ عن إنشاءِ قرنٍ مخصُوصٍ بذلك الرَّسولِ كأنَّه قيل ثمَّ أنشأنا من بعدِهم قُروناً آخرينَ قد أرسلنا إلى كلِّ قرنٍ منهُم رسولاً خاصًّا بهِ والفصلُ بين المعطوفينِ بالجملة المعترضة الناطقة بعدم تقدُّمِ الأممِ أجلَها المضروبَ لهلاكِهم للمسارعةِ إلى بيان هلاكِهم على وجهٍ إجماليَ ﴿تترا﴾ أي متواتِرينَ واحداً بعد واحدٍ من الوِتْرِ وهو الفَردُ والتَّاءُ بدلٌ من الواوِ كما في تولج ويتقوا والألفُ للتأنيثِ باعتبار أنَّ الرسل جماعة وقرئ بالتوين على أنه مصدرٌ بمعنى الفاعلِ وقع حالاً وقولُه تعالى ﴿كل ما جاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ﴾ استئنافٌ مبيِّنٌ لمجيء كلِّ رسولٍ لأمَّتِه ولما صدرَ عنهم عند تبليغِ الرِّسالةِ والمرادُ بالمجيءِ إمَّا التَّبليغُ وإمَّا حقيقةُ المجيء للإيذانِ بأنَّهم كذبوه في أو المُلاقاة وإضافةُ الرَّسولِ إلى الأُمَّةِ مع إضافة كلِّهم فيما سبق إلى نُونِ العظمةِ لتحقيق أنَّ كلَّ رسولٍ جاء أُمَّته الخاصَّةَ به لا أنَّ كلَّهم جاءوا كلَّ الأممِ والإشعارِ بكمالِ شناعتِهم وضلالِهم حيثُ كذَّبتْ كلُّ واحدةٍ منهُم رسولَها المعيَّنِ لها وقيل لأنَّ الإرسالَ لائقٌ بالمرسلِ والمجيءُ بالمرسلِ إليهم ﴿فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً﴾ في الهلاكِ حسبما تبع بعضُهم بعضاً في مباشرة أسبابِه التي هي الكفرُ والتَّكذيبُ وسائرُ المعاصي ﴿وجعلناهم أَحَادِيثَ﴾ لم يبقَ منُهم إلا حكاياتٌ يعتبر بها المعتبرون وهو اسمُ جمعٍ للحديثِ أو جمعُ أُحدوثةٍ وهي ما يُتحدَّثُ به تَلهِّياً كأعاجيبَ جمعُ أُعجوبةٍ وهي ما يُتعجَّبُ منه أي جعلناهم أحاديثَ يُتحدَّثُ بها تَلهِّياً وتعجُّباً ﴿فَبُعْداً لّقَوْمٍ لاَّ يؤمنون﴾ اقتصر ههنا على وصفهم بعدمِ الإيمانِ حسبما