سورة النور (٣) والزَّانيةُ هي المرأةُ المُطاوِعةُ للزِّنا الممكِّنةُ منه كما تنبئ عنه الصِّيغةُ لا المزنيةُ كُرهاً وتقديمُها على الزَّاني لأنَّها الأصلُ في الفعل لكونِ الدَّاعيةِ فيها أوفرَ ولولا تمكينُها منه لم يقعْ ورفعُهما على الابتداءِ والخبرُ قولُه تعالى ﴿فاجلدوا كلُّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مائةَ جَلْدَةٍ﴾ والفاءُ لتضمُّنِ المبتدأِ معنى الشرط إذا اللاَّمُ بمعنى الموصولِ والتَّقديرُ التي زنتْ والذي زَنى كما في قوله تعالى واللذان يأتياها منكم فآذوهما وقيل الخبرُ محذوفٌ أي فيما أنزلنا أو فيما فرضنا الزانيةُ والزَّاني أي حُكمهُما وقولُه تعالى فاجلدوا الخ بيانٌ لذلكَ الحُكمِ وكانَ هذا عامًّا في حقِّ المُحصنِ وغيرِه وقد نُسخَ في حقِّ المحصنِ قَطْعاً ويكفينا في تعيينِ الناسخ القطع بأنه ﷺ قد رجم ماعزا أو غيره فيكونُ من بابِ نسخِ الكتابِ بالسُّنَّةِ المشهُورةِ وفي الإيضاحِ الرَّجمُ حكمٌ ثبتَ بالسنَّةِ المشهورةِ المتفقِ عليها فجازتِ الزيادةُ بها على الكتابِ ورُوي عن عليَ رضي الله عنه جلدتُها بكتابِ اللَّهِ ورجمتُها بسنة رسول الله ﷺ وقيلَ نُسخ بآيةٍ منسوخةِ التلاوة وهي الشيخ والشيخة إذا زينا فارجمُوهما البتة نكالاً من اللَّهِ واللَّهُ عزيزٌ حكيمٌ ويأباهُ ما رُوي عن علي رضي الله عنه ﴿وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ وقرئ بفتحِ الهمزةِ وبالمدِّ أيضاً على فَعَالةٍ أي رحمةٌ ورقَّةٌ ﴿فِى دِينِ الله﴾ في طاعتهِ وإقامةِ حدِّه فتطلوه أو تسامحوه فيهِ وقد قالَ رسولُ الله ﷺ لو سرقتْ فاطمةُ بنتُ محمَّدٍ لقطعتُ يدها ﴿إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الأخر﴾ منْ بابِ التَّهييج والإلهابِ فإنَّ الإيمانَ بهما يقتضي الجدَّ في طاعته تعالى والاجتهادَ في إجراءِ أحكامِه وذكرُ اليومِ الآخرِ لتذكيرِ ما فيهِ من العقابِ في مقابلةِ المُسامحةِ والتَّعطيلِ ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مّنَ المؤمنين﴾ أي لتحضره زيادةً في التَّنكيلِ فإنَّ التَّفضيحَ قد يُنكِّلُ أكثرَ ممَّا يُنكلُّ التَّعذيبُ والطَّائفةُ فرقةٌ يُمكن أنْ تكونَ حافَّةً حولَ شيءٍ من الطَّوفِ وأقلُّها ثلاثةٌ كما روي عن فنادة وعن ابن عباس رضي الله عنهما أربعةٌ إلى أربعينَ وعن الحسنِ عشرةٌ والمرادُ جمعٌ يحصلُ بهِ التَّشهيرُ والزَّجرُ
﴿الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزانية لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ حكمٌ مؤسَّسٌ على الغالبِ المُعتادِ جيءَ به لزجر المؤمنين بهنَّ وقد رَغِب بعضٌ من ضَعَفةِ المُهاجرينَ في نكاح وسرات كانتْ بالمدينةِ من بَغَايا المُشركينَ فاستأذنُوا رسولَ اللَّهِ ﷺ في ذلكَ فنُفِّروا عنه ببيانِ أنَّه من أفعالِ الزُّناةِ وخصائصِ المُشركين كأنَّه قيلَ الزَّاني لا يرغبُ إلاَّ في نكاحِ إحداهما والزَّانيةُ لا يرغبُ في نكاحِها إلا أحدُهما فلا تحومُوا حولَه كيلا تنتظمُوا في سلكهما أو تتسِمُوا بسمتِهما فإيرادُ الجُملةِ الأُولى مع أنَّ مناطَ التَّنفيرِ هي الثَّانيةُ إمَّا للتعريضِ بقصرهم الرَّغبةَ عليهنَّ حيثُ استأذنُوا في نكاحهنَّ أو لتأكيدِ العلاقةِ بين الجانبينِ مبالغة في الزجر والتنفير وعدمِ التَّعرضِ في الجُملة الثَّانيةِ للمشركةِ للتنبيهِ على أنَّ مناطَ الزَّجرِ والتَّنفيرِ هوالزنا لا مجردُ الإشراكِ وإنَّما تعرَّضَ لها في الأُولى إشباعاً في التَّنفير عن الزَّانيةِ بنظمها في سلكِ المُشركةِ ﴿وَحُرّمَ ذلك﴾ أي نكاحُ الزَّواني ﴿عَلَى المؤمنين﴾ لما أنَّ فيهِ من التَّشبهِ بالفسقةِ والتَّعرضِ للتُّهمةِ والتَّسببِ لسوءِ القالةِ والطَّعنِ في النسب واختلال


الصفحة التالية
Icon