سورة النور (١٤ ١٦) عليهم بذلك المستحقُّون لإطلاقِ الاسمِ عليهم دُونَ غيرهم ولذلك رتب عليهم الحدُّ خاصَّة وإما كلامٌ مبتدأٌ مَسوقٌ من جهتِه تعالَى للاحتجاج على كذبهم بكونِ ما قالُوه قولاً لا يساعدُه الدَّليلُ أصلاً
﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ﴾ خطابٌ للسَّامعينَ والمسمِّعينَ جميعاً ﴿وَرَحْمَتُهُ فِى الدنيا﴾ من فنونِ النِّعمِ التي من جُملتها الإمهالُ للتَّوبة ﴿والأخرة﴾ من الآلاءِ التي من جُملتها العفوُ بعد التَّوبةِ ﴿لَمَسَّكُمْ﴾ عاجلاً ﴿فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ﴾ بسبب ما خضتُم فيه من حديث الإفكِ والإبهامُ لتهويل أمره والاستهجان بذكره بقال أفاضَ في الحديثِ وخاضَ واندفعَ وهضبَ بمعنى ﴿عَذَابٌ عظِيمٌ﴾ يُستحقر دونَه التَّوبيخُ والجلدُ
﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ بحذف إحدى التَّاءينِ ظرفٌ للمسِّ أي لمسَّكم ذلكَ العذابُ العظيمُ وقتَ تلقِّيكم إيَّاه من المخترعين ﴿بألسنتكم﴾ والتقي والتلقُّفُ والتلقُّنُ معانٍ متقاربةٌ خلا أنَّ في الأولِ معنى الاستقبالِ وفي الثَّاني معنى الخَطفِ والأخذِ بسرعةٍ وفي الثَّالثِ معنى الحِذْقِ والمهارة وقرئ تتلقونه تَتَلقَونه على الأصل وتلقونه من لقيَه وتلقونَه بكسرِ حرفِ المُضارعةِ وتُلقونه من إلقاء بعضهم على بعض وتَلْقُونه وتألقونَه من الولقِ والألق وهو الكذبُ وتثقفونَه من ثقفتُه إذا طلبتُه فوجدته وتثقفونه أي تتعبونه ﴿وَتَقُولُونَ بأفواهكم مَّا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي تقولونَ قولاً مختصًّا بالأفواهِ من غير أن يكون له مصداقٌ ومنشأٌ في القلوبِ لأنَّه ليسَ بتعبيرٍ عن علم به قلوبكم كقوله تعالى يَقُولُونَ بأفواههم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً﴾ سهلاً لا تبعةَ لهُ أو ليسَ له كثيرُ عقوبةٍ ﴿وَهُوَ عِندَ الله﴾ والحالُ أنَّه عنده عزَّ وجلَّ (عظِيمٌ) لا يُقادرُ قَدرُه في الوِزرِ واستجرارِ العذابِ
﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ من المخزعين والمشايعين لهم ﴿قُلْتُمْ﴾ تكذيباً لهُم وتهويلاً لما ارتكبُوه ﴿مَّا يَكُونُ لَنَا﴾ ما يُمكننا ﴿أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا﴾ وما يصدرُ عنَّا ذلكَ بوجهٍ من الوجوهِ وحاصلُه نفيُ وجودِ التَّكلمِ به لا نفيُ وجوده على وجه الصِّحَّةِ والاستقامةِ والانبغاءِ وهذا إشارةٌ إلى ما سمعُوه وتوسيطُ الظَّرفِ بينَ لولا وقلتُم لما مرَّ من تخصيص التخضيض بأول وقتِ السَّماعِ وقصرِ التَّوبيخِ واللَّومِ على تأخيرِ القولِ المذكورِ عن ذلك الآنَ ليفيدَ أنَّه المحتملُ للوقوع المفتقر إلى التخضيض على تركه وأما تركُ القول نفسه رأسا فيما لا يُتوهَّم وقوعُه حتَّى يحضَّض على فعلِه ويلامَ على تركه وعلى هذا ينبغي أنْ يحملَ ما قيل إنَّ المعنى أنَّه كان الواجب عليهم أن يتفادَوا أولَ ما سمعُوا بالإفك عن التَّكلُّم به فلمَّا كان ذكرُ الوقتِ أهم وجب التقديم وأماما قيل من أنَّ ظروفَ الأشياء منزلة منزَّلةٌ أنفسَها لوقوعِها فيها وأنها لا تنفكُّ عنها لذلك يتسع فيها مالا