سورة النور (٢٩ ٣٠) أُمرتم من جهةِ أهلِ البيتِ بالرُّجوع سواء كان الأمرُ ممَّن يملكُ الإذن أولا فارجعُوا ولا تلحّوا بتكرير الاستئذانِ كما في الوجهِ الأول ولا تلجوا بالإصرار على الانتظار إلى أنْ يأتيَ الآذنُ كما في الثَّاني فإنَّ ذلك ممَّا يجلبُ الكراهةَ في قلوب النَّاسِ ويقدحُ في المروءةِ أيَّ قدحٍ ﴿هُوَ﴾ أي الرُّجوعُ ﴿أزكى لَكُمْ﴾ أي أظهر مما لا يخلوا عنه اللجُّ والعناد والوقوف على الأبواب من دنس الدناءةِ والرَّذالة ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ فيعلم ما تأتونَ وما تذرونَ ممَّا كلفتموه فيجازيكم عليه
﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ﴾ أي بغير استئذانٍ ﴿بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ أي غيرَ موضوعةٍ لسكنى طائفةٍ مخصوصةٍ فقط بل ليتمتَّعَ بها من يُضطر إليها كائنا من كان من غير أنْ يتخذَها سكناً كالرُّبطِ والخَاناتِ والحوانيتِ والحمَّاماتِ ونحوِها فإنَّها معدَّةٌ لمصالح الناس كافة كما ينبئ عنه قولُه تعالى ﴿فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ﴾ فإنَّه صفةٌ للبيوتِ أو استئنافٌ جارٍ مجرى التَّعليلِ لعدم الجُناح أي فيها حقُّ تمتعٍ لكم كالاستكنان من الحرِّ والبرد وإيواء الأمتعة والرجال والشِّراءِ والبيعِ والاغتسالِ وغيرِ ذلك ممَّا يليقُ بحال البُيوت وداخليها فلا بأسَ بدخولها بغير استئذانٍ من داخليها من قبل ولا ممن بعد يتولَّى أمرَها ويقومُ بتدبيرها من قوام الرِّباطاتِ والخاناتِ وأصحاب الحوانيت ومتصر في الحمَّاماتِ ونحوِهم ويُروى أنَّ أبا بكرٍ رضيَ الله عنْهُ قالَ يا رسولَ الله إنَّ الله تعالى قد أنزل عليك آيةً في الاستئذان وإنَّا نختلفُ في تجاراتِنا فننزل هذه الخاناتِ أفلا ندخلها إلابإذن فنزلتْ وقيل هي الخَرِباتُ يُتبرَّزُ فيها والمتاع التَّبرزُ والظَّاهر أنَّها من جُملة ما ينتظمه البيوتُ لا أنها المرادةُ فقط وقولُهُ تعالى ﴿والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وما تكتمون﴾ وعيدا لمن يدخلُ مدخلاً من هذه المداخل لفسادٍ أو اطِّلاعٍ على عوراتٍ
﴿قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ﴾ شروعٌ في بيان أحكام كليَّة شاملة للمؤمنين كافَّة يندرج فيها حكم المستأذنين عند خولهم البيوت اندراجاً أوليًّا وتلوينُ الخطاب وتوجيهه إلى رسولِ الله ﷺ وتفويضُ ما في حيِّزِه من الأوامر والنَّواهي إلى رأيه ﷺ لأنَّها تكاليفُ متعلِّقةٌ بأمورٍ جُزئيةٍ كثيرةِ الوقوعِ حقيقةٌ بأن يكون الأمر بهار المتصدي لتدبيرها حافظاً ومُهيمناً عليهم ومفعولُ الأمر أمرٌ آخرُ قد حُذف تعويلاً على دلالة جوابه عليه أي قُل لهم غُضُّواً ﴿يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم﴾ عمَّا يحرُم ويقتصر به على ما يحلُّ ﴿وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ﴾ إِلاَّ على أزواجِهم أَوْ ما ملكتْ أيمانُهم وتقييدُ الغضِّ بمن التبعيضيَّةِ دونَ الحفظ لما في أمر النَّظر من السَّعةِ وقيل المرادُ بالحفظِ ههنا خاصَّة هو السِّترُ ﴿ذلك﴾ أي ما ذكر من الغضِّ والحفظ ﴿أزكى لَهُمْ﴾ أي طهر لهم من دنس الرِّيبة ﴿إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ لا يخفى عليه شيءٌ ممَّا يصدرُ عنهم من الأفاعيل التي من جملتها جالة النَّظرِ واستعمالُ سائرِ الحواس وتحريك