سورة النور (٣٦) باختلاف حال ما أُسند إليه تعالى من الهدايةَ الخاصَّةَ وضربِ الأمثالِ الذي هو من قبيلِ الهداية العامَّةِ كما يُفصح عنه تعليقُ الأُولى بمن يشاءُ والثَّانيةِ بالنَّاس كافَّة ﴿والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ﴾ مفعولا كان أو محسوساً ظاهراً كان أو باطناً ومن قضيَّتِه أنْ تتعلقَ مشيئتُه بهداية مَن يليق بها ويستحقُّها مِن النَّاسِ دُونَ مَن عداهم لمخالفتِه الحكمةَ التي عليها مبْنى التكوينِ والتَّشريعِ وأنْ تكونَ هدايتُه العامَّة على فنونٍ مختلفةٍ وطرائقَ شتَّى حسبما تقتضيهِ أحوالُهم والجملةُ اعتراضٌ تذييليٌّ مقررٌ لما قبله وإظهارُ الاسمِ الجليل لتأكيد استقلالِ الجملة والإشعارِ بعلَّةِ الحكم وبما ذُكر من اختلافِ حال المحكومِ به ذاتاً وتعلُّقاً
﴿فِى بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه﴾ لمَّا ذُكر شأنُ القرآن الكريم في بيانه للشَّرائع والأحكام ومباديها وغاياتها المترتِّبةِ عليها من الثَّوابِ والعقاب وغير ذلك من أحوال الآخرة وأهوالِها وأُشير إلى كونِه في غايةِ ما يكونُ من التَّوضيحِ والإظهار حيثُ مُثِّل بما فُصِّل من نور المشكاة وأُشير إلى أنَّ ذلك النُّورَ مع كونِه في أقصى مراتبِ الظُّهور إنَّما يهتدي بهداه من تعلَّقتْ مشيئةُ الله تعالى بهدايته دُونَ مَن عداه عقَّب ذلك بذكر الفريقينِ وتصوير بعض أعمالهم المُعربةِ عن كيفيَّةِ حالهم في الاهتداءِ وعدمه والمرادُ بالبيوتِ المساجدُ كلِّها حسبما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل هي المساجدُ التي بناها نبيٌّ من أنبياء الله تعالى الكعبةُ التي بناها إبراهيمَ وإسماعيلَ عليهما السَّلامُ وبيتُ المقدسِ الذي بناه داودُ وسليمانُ عليهما السَّلامُ ومسجدُ المدينةِ ومسجدُ قُباءَ اللذانِ بناهما رسولُ الله ﷺ وتنكيرُها للتَّفخيم والمرادُ بالإذنِ في رفعها الأمرُ ببنائها رفيعةً لا كسائر البيوتِ وقيل هو الأمر برفعِ مقدارها بعبادة الله تعالى فيها فيكونُ عطفُ الذِّكرِ عليه من قبيل العطفِ التفسيري وأياما كان ففي التَّعبير عنه بالإذن تلويحٌ بأنَّ اللائقَ بحال المأمور أنْ يكونَ متوجِّهاً إلى المأمور به قبل ورود الأمر به ناوياً لتحقيقِه كأنَّه مستأذنٌ كأنَّه مستأذنٌ في ذلك فيقع الأمرُ به موقعَ الإذن فيه والمرادُ بذكر اسمه تعالى ما يعمُّ جميع أدكاره تعالى وكلمةُ في متعلِّقةٌ بقوله تعالى ﴿يُسَبّحُ لَهُ﴾ وقولُه تعالى ﴿فِيهَا﴾ تكريرٌ لها للتَّأكيد والتَّذكيرِ لما بينهما من الفاصلةِ وللإيذانِ بأنَّ التَّقديمَ للاهتمام لا لقصر التَّسبيحِ على الوقوع في البيوت فقط وأصلُ التَّسبيحِ التَّنزيهُ والتَّقديسُ يُستعملُ باللامِ وبدونِها أيضاً كَما في قولِه تعالى ﴿سَبِّحِ اسم ربك الأعلى﴾ به الصَّلواتُ المفروضةُ كما ينبئ عنه تعيينُ الأوقاتِ بقوله تعالى ﴿بالغدو والأصال﴾ أي بالغَدَواتِ والعَشَايا على أنَّ الغُدوَّ إمَّا جمعُ غداةٍ كقُنيَ في جمع قَنَاةٍ كما قيل أو مصدرٌ أُطلق على الوقت حسبما يشعر به اقترانه بالآصالو هو جمع أَصيلٍ وهو العَشِيُّ والعشى وهو الشامل الأوقات ما عدا صلاةَ الفجرِ المؤداة يالغداة ويجوزُ أن يرادَ بهِ نفسُ التَّنزيه على أنَّه عبارة عمَّا يقعُ منه في أثناء الصَّلواتِ وأوقاتها لزيادةِ شرفِه وإنافتِه على سائر أفراده أو عمَّا يقعُ في جميع الأوقاتِ وإفرادُ طَرَفي النَّهارِ بالذِّكرِ لقيامِهما مقامَ كلِّها لكونِهما العمدة فيها بكونهما مشهودين وكونِهما أشهرَ ما يقعُ فيه المباشرةُ للأعمال والاشتغالُ بالاشغال وقرئ والإيصالِ وهو الدُّخولُ في الأصيل وقوله تعالى