سورة النور (٥٠ ٥١) على تضمينِ معنى الإسراعِ والإقبال كما في قولِه تعالى فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ والتقديمُ للاختصاصِ
﴿أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ إنكارٌ واستقباحٌ لإعراضِهم المذكورِ وبيانٌ لمنشئه بعد استقصاء عدَّةٍ من القبائح المحقَّقةِ فيهم والمتوقَّعةِ منهم وترديدِ المنشئية بينها فمدارُ الاستفهام ليس نفسَ ما وليتْه الهمزةُ وأَمْ من الأمورِ الثَّلاثة بل هو منشئيتها له كأنَّه قيل أذلك أي إعراضُهم المذكورُ لأنَّهم مرضى القلوبِ لكفرِهم ونفاقِهم ﴿أَمْ﴾ لأنَّهم ﴿ارتابوا﴾ في أمر نبوته ﷺ مع ظهور حقيَّتِها ﴿أَمْ﴾ لأنَّهم ﴿يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ﴾ ثمَّ أُضربَ عن الكلِّ وأُبطلت منشيته وحُكم بأنَّ المنشأَ شيءٌ آخرُ من شنائعِهم حيثُ قيلَ ﴿بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون﴾ أي ليسَ ذلك لشيءٍ ممَّا ذُكر أمَّا الأوَّلانِ فلأنَّه لو كان لشيء منها لأعرضوا عنه ﷺ عند كونِ الحقِّ لهم ولما أتوا إليه ﷺ مُذعنينَ لحُكمِه لتحقُّقِ نفاقِهم وارتيابِهم حينئذٍ أيضاً وأمَّا الثالث فلا نتفائه رأساً حيثُ كانُوا لا يخافون الحيفَ أصلاً لمعرفتِهم بتفاصيل أحواله ﷺ في الأمانةِ والثَّباتِ على الحقِّ بل لأنَّهم هم الظالمون يُريدون أنْ يظلمُوا مَن له الحقُّ عليهم ويتمُّ لهم جحودُه فيأبون المحاكمة إليه ﷺ لعلمهم بأنه ﷺ يقضي عليهم بالحقِّ فمناطُ النَّفيِ المُستفادِ من الإضراب في الأوَّلينِ هو وصف منشئيَّتِهما للإعراضِ فقط مع تحقُّقِهما في نفسِهما وفي الثَّالثِ هو الأصلُ والوصف جميعاً هذا وقد خُصَّ الارتياب بماله منشأٌ مصححٍ لعروضِه لهم في الجُملةِ والمعنى أمِ ارتابُوا بأنْ رَأَوا منه ﷺ تُهمةً فزالتْ ثقتُهم ويقينُهم به ﷺ فمدارُ النَّفيِ حينئذٍ نفسُ الارتياب ومنشيته معاً فتأمَّل فيما ذُكر على التَّفصيلِ ودَعْ عنك ما قيل وقيل حسبما
٥١ - يقتضيه النَّظرُ الجليلُ
﴿إنما كان قول المؤمنين﴾ بالنَّصبِ على أنَّه خبرُ كانَ وأنْ مع ما في حيزها اسمها وقرئ بالرَّفعِ على العكسِ والأوَّلُ أقوى صناعةً لأنَّ الأَولى للاسميَّةِ ما هُو أوغلُ في التَّعريفِ وذلكَ هو الفعلُ المصدَّرُ بأَنْ إذْ لا سبيلَ إليه للتَّنكيرِ بخلافِ قولَ المُؤمنين فإنَّه يحتملُه كما إذا اعتزلتْ عنه الإضافةُ لكن قراءةُ الرَّفعِ أقعدُ بحسب المَعْنى وأوفى لمُقتضى المقام لما أنَّ مصبَّ الفائدةِ وموقِعَ البيانِ في الجُملِ هو الخبرُ فالأحقُّ بالخبريَّةِ ما هو أكثرُ إفادةً وأظهرُ دلالةً على الحدوثِ وأوفرُ اشتمالاً على نِسَب خاصةٍ بعيدةٍ من الوقُوع في الخارج وفي ذهن السَّامعِ ولا ريب في أن ذلك ههنا في أنْ مع ما في حيُّزها أتمَّ وأكملَ فإذا هو أحق بالخيرية وأما ما تفيدُه الإضافةُ من النِّسبةِ المطلقةِ الإجماليةِ فحيث كانتْ قليلةَ الجَدوى سهلةَ الحصولِ خارجاً وذِهناً كان حقُّها أنْ تلاحَظَ ملاحظةً مجملةً وتجعلَ عُنواناً للموضوعِ فالمعنى إنَّما كانَ مطلقُ القولِ الصَّادرِ عن المؤمنين ﴿إِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ﴾ أي الرسول ﷺ ﴿بينهم﴾ أى وبين


الصفحة التالية
Icon