سورة الفرقان ٧ ﴿وَزُوراً﴾ أي كذباً كبيراً لا يُبلغ غايتُه حيث نسبوا إليه ﷺ ما هو برئ منه والفاءُ لترتيبِ ما بعدها على ما قبلها لكن لا على أنَّهما أمرانِ مُتغايرانِ حقيقة يقع أحدُهما عقيب الآخرِ أو يحصل بسببه بل على أنَّ الثَّانِي هو عينُ الأوَّلِ حقيقة وإنَّما الترتيبُ بحسَب التَّغايرِ الاعتباريِّ وقد لتحقيقِ ذلك المعنى فإنَّ ما جاءوه من الظَّلمِ والزُّورِ هو عينُ ما حُكي عنهم لكنه لما كان مُغايراً له في المفهوم وأظهرَ منه بُطلاناً رُتِّبَ عليه بالفاء ترتيبَ اللازم على الملزوم تَهويلاً لأمره
﴿وَقَالُواْ أساطير الأولين﴾ بعد ما جعلوا الحقَّ الذي لا محيدَ عنه إفكاً مختلَقاً بإعانة البشرِ بيَّنوا على زعمهم الفاسدِ كيفيَّةَ الإعانة والأساطير جمع أساطر أو أُسطورةٍ كأُحدوثةٍ وهي ما سطرَه المتقدِّمون من الخُرافاتِ ﴿اكتتبها﴾ أي كتبها لنفسِه على الإسنادِ المجازيِّ أو استكتبها وقرئ على البناءِ للمفعولِ لأنَّه ﷺ أُميٌّ وأصله اكتتبها له كاتبٌ فحذف اللامُ وأُفضيَ الفعلُ إلى الضَّميرِ فصار اكتتبَها إيَّاه كاتبٌ ثم حُذف الفاعلُ لعدم تعلقِ الغرضِ العلميِّ بخصوصِه وبُني الفعلُ للضَّميرِ المنفصلِ فاستترَ فيه ﴿فَهِىَ تملى عَلَيْهِ﴾ أي تُلقي عليه تلك الأساطيرُ بعد اكتتابِها ليحفظَها من أفواهِ مَن يُمليها عليه من ذلك المكتتب لكونِه أميّاً لا يقدرُ على أنْ يتلقَّاها منه بالقراءةِ أو تملي على الكاتب على أنَّ معنى اكتتبها أرادَ اكتتابَها أو استكتابَها ورجعُ الضَّميرِ المجرورِ إليه ﷺ لإسنادِ الكتابةِ في ضمن الاكتتاب إليه ﷺ ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ أي دائماً أو خُفية قبل انتشارِ الناس وحين يأوون إلى مساكنِهم انظُر إلى هذهِ الرُّتبةِ من الجراءةِ العظيمةِ قاتلهم الله أنَّى يُؤفكون
﴿قُلْ﴾ لهم ردًّا عليهم وتحقيقاً للحقِّ ﴿أَنزَلَهُ الذى يعلم السر في السماوات والأرض﴾ وصفه تعالى بإحاطةِ علمِه بجميع المعلومات الجليَّةِ والخفيَّةِ للإيذان بانطواءِ ما أنزله على أسرارٍ مطويَّةٍ عن عقول البشر مع ما فيه من التَّعريضِ بمجازاتِهم بجناياتهم المحكيَّةِ التي هي من جُملة معلوماتِه تعالى أي ليس ذلك ممَّا يُفترى ويُفتعل بإعانة قومٍ وكتابة آخرين من الأحاديثِ المُلفَّقة وأساطيرِ الأوَّلينَ بل هو أمر سماويٌّ أنزله الله الذي لاَ يعزُب عنْ علمِه شيء من الأشياءِ وأودع فيه فنونَ الحكمِ والأسرارِ على وجهٍ بديعٍ لا يحومُ حوله الأفهامُ حيث أعجزَكم قاطبةً بفصاحتِه وبلاغتِه وأخبركم بمغيَّباتٍ مستقبلةٍ وأمورٍ مكنونةٍ لا يُهتدى إليها ولا يُوقف عليها إلا بتوفيق العليم الخبيرِ وقد جعلتمُوه إفكاً مُفترى من قبيل الأساطير واستوجبتُم بذلك أنُ يُصَبَّ عليكم سوطُ العذابِ صبّاً فقولُه تعالى ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ تعليلٌ ما هو المشاهد من تأخير العقوبة أي أنَّه تعالى أزلاً وأبداً مستمرٌّ على المغفرةِ والرَّحمةِ المستتبعين للتَّأخيرِ فلذلك لا يُعجِّلُ بعقوبتِكم على ما تقولن في حقِّه مع كمال استيجابِه إيَّاها وغاية قُدرتِه تعالى عليها
﴿وَقَالُواْ مَا لهذا الرسول﴾ شروع في حكاية


الصفحة التالية
Icon