سورة الفرقان ١٠ ١١ عمَّن له أدنى عقلٍ وتمييز فبقوا متحيرين ﴿فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً﴾ إلى القدح في نبوتك بأنْ يجدوا قولاً يستقرُّون عليه وإنْ كان باطلاً في نفسِه أو فضلُّوا عن الحقِّ ضلالاً مبيناً فلا يحدون طريقاً موصِّلاً إليه فإنَّ مَن اعتاد استعمال أمثال هذه الأباطيلِ لا يكادُ يهتدِي إلى استعمال المقدِّماتِ الحقَّةِ
﴿تَبَارَكَ الذى﴾ أي تكاثرَ وتزايد خيرالذي ﴿إِن شَاء جَعَلَ لَكَ﴾ في الدُّنيا عاجلاً شيئاً ﴿خَيْرًا﴾ لك ﴿مّن ذلك﴾ الذي اقترحُوه مِن أنْ يكونَ لك جنَّةٌ تأكل منها بأن يعجل لك مثل ما وعدك في الآخرةِ وقولُه تعالَى ﴿جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ بدلٌ من خَيراً ومحقق لخيرته مَّما قالُوا لأنَّ ذلك كان مُطلقاً عن قيدِ التَّعددِ وجريان الأنهارِ ﴿وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً﴾ عطفٌ على محلِّ الجزاء الذي هو جعل وقرئ بالرَّفعِ عطفاً على نفسِه لأنَّ الشرَّطَ إذا كان ماضياً جاز في جزائِه الرَّفعُ والجزمُ كما في قولِ القائل... وَإِنْ أَتَاهُ خليل يوم مسئلة... يقُولُ لا غَائبٌ مالِي ولا حرِمُ... ويجوزُ أنْ يكونَ استئنافاً بوعدِ ما يكون له في الآخرةِ وقرئ بالنصب على أنه جواب بالواوِ وتعليقُ ذلك بمشيئتِه تعالى للإيذانِ بأنَّ عدمَ جعلها بمشيئته المبنيةِ على الحِكَم والمصالحِ وعدمُ التعَّرضِ لجواب الاقتراحينِ الأوَّلينِ للتنبيه على خروجِهما عن دائرة العقل واستغنائهما عن الجواب لظهورِ بُطلانِهما ومنافاتِهما للحكمة التَّشريعيَّةِ وإنَّما الذي له وجهٌ في الجملة هو الاقتراحُ الأخيرُ فإنَّه غير منافٍ للحكمة بالكلِّيةِ فإنَّ بعضَ الأنبياءِ عليهم الصلاة والسلام قد أو توافي الدُّنيا مع النُّبوةِ مُلكاً عظيماً
﴿بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة﴾ إضرابٌ عن توبيخهم بحكاية جناياتهم السَّابقةِ وانتقالٌ منه إلى توبيخهم بحكاية جناياتهم الأخرى للتَّخلُّص إلى بيان ما لهم في الآخرة بسببها من فُنون العذابِ بقوله تعالى ﴿وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً﴾ الخ أي أعتدنا لهم ناراً عظيمةً شديدةَ الاشتعالِ شأنُها كيتَ وكيتَ بسبب تكذيبهم بها على ما يُشعر به وُضع الموصولُ موضعَ ضميرِهم أو لكلِّ مَن كذَّب بها كائناً مَنْ كان وهم داهلون في زُمرتهم دُخولاً أوليَّا ووضعُ السَّاعة موضعَ ضميرهِا للمبالغةِ في التَّشنيع ومدارُ إعناد السَّعيرِ لهم وإنْ لم يكن مجرَّد تكذيبهم بالسَّاعةِ بل مع تكذيبهم بسائر ما جاء به الشريعة الشَّريفة لكن السَّاعةَ لمَّا كانتْ هي العلَّةَ القريبة لدخولِهم السَّعيرَ أُشير إلى سببيَّةِ تكذيبها لدخولِها وقيل هو عطفٌ على وقالُوا ما لهاذ الخ على معنى بل أتوا بأعجبَ من ذلك حيثُ كذَّبوا بالسَّاعةِ وأنكروها والحالُ أنَّا قد أعتدنا لكلِّ مَن كذَّب بها سعيراً فإنَّ جراءتَهم على التَّكذيب بها وعدمَ خوفِهم مَّما أُعدَّ لمن كذَّب بها من أنواعِ العذابِ أعجبُ من القولِ السَّابقِ وقيل هو مُتَّصل بما قبلَه من الجوابِ المبنيِّ على التحقيق المنبئ عن الوعدِ بالجنَّاتِ في الآخرةِ مسوق لبيان أنَّ ذلك لا يجُدي نفعاً ولا يحلى بطائل على طريقة قول من قال... عُوجُوا لنُعمٍ فَحَيُّوا دِمنَةَ الدار... ماذا تحيون من نُؤيٍ وأحجارِ...
والمعنى أنَّهم لا يُؤمنون بالسَّاعةِ فكيفَ يقتنعُون بهذا الجوابِ وكيف يصدقون بتعجيل


الصفحة التالية
Icon