سورة الفرقان ١٢ ١٣ ١٤ مثل ما وعدك في الآخرة وقيل المنى بل كذَّبوا بها فقصُرت أنظارُهم على الحظوظِ الدُّنيوَّيةِ وظنُّوا أنَّ الكرامة ليستْ إلا بالمالِ وجعلُوا فقرك ذريعةً إلى تكذيبك وقولُه تعالى
﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾ الخ صفة للسَّعيرِ أي إذا كانت منهم بمرأى الناظرِ في البُعد كقوله ﷺ لا تَتَراءَى نارَاهُما أيْ لا تتقاربانِ بحيثُ تكونُ إحداهما بمرأى مِن الأُخرى على المجاز كأنَّ بعضَها يرى البعضَ ونسبةُ الرُّؤيةِ إليها لا إليهم للإيذان بأنَّ التغيظ والزفير منها لهجيان غضبِها عليهم عند رُؤيتها إيَّاهم حقيقةً أو تمثيلاً ومِنْ في قولِه تعالَى ﴿مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ﴾ إشعارٌ بأن بعد ما بينها وبينهم من المسافة حين رأتهُم خارجٌ عن حدود البُعدِ المعتاد في المسافات المعهودةِ وفيه مزيدُ تهويلٍ لأمرها قال الكَلْبيُّ والسُّدِّيُّ من مسيرةِ عامٍ وقيل من مسيرة مائةِ سنةٍ ﴿سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾ أي صوتُ تغيظٍ على تشبيه صوتِ غليانها بصوتِ المُغتاظِ وزفيرِه وهو صوتٌ يُسمع من جوفِه هذا وإن الحياةَ لمَّا لم تكُن مشروطةً عندنا بالبنية أمكن أنْ يخلُق الله تعالى فيها حياةً فترى وتتغيظُ وتزفرُ وقيل إنَّ ذلك لزبانيتها فنُسب إليها على حذفِ المضافِ
﴿وَإَذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً﴾ نُصبَ على الظَّرفَّيةِ ومنها حالٌ منه لأنَّه في الأصلِ صفةٌ له ﴿ضَيّقاً﴾ صفةٌ لمكاناً مفيدةٌ لزيادة شدَّةٍ فإنَّ الكَرْبَ مع الضَّيقِ كما أنَّ الرَّوحَ مع السَّعةِ وهو السِّرُّ في وصف الجنَّةِ بأنَّ عرضها السموات والأرض وعن ابن عباسٍ وابنِ عمرَ رضي الله تعالى عنهم تضيقُ جهنَّمُ عليهم كما يضيقُ الزُّجُّ على الرمح وسئل النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم عن ذلك فقال والذي نفسي بيدهِ إنَّهم ليُستكرهون في النَّارِ كما يُستكرِه الوَتِدُ في الحائطِ قال الكلبيُّ الأسفلُون يرفعهم اللَّهبُ والأعْلوَن يحطُّهم الدَّاخلونَ فيزدحمُون فيها وقرئ ضَيْقاً بسكون الياء ﴿مُقْرِنِينَ﴾ حالٌ من مفعول أُلقوا أي إذا أُلقوا منها مكاناً ضَيِّقاً حالَ كونِهم مقرَّنين قد قُرنت أيديهم إلى أعناقهم بالجوامَع وقيل مقرَّنين مع الشَّياطين في السَّلاسلِ كلُّ كافرٍ مع شيطانٍ وفي أرجلهم الأصفادُ ﴿دَعَوْاْ هُنَالِكَ﴾ أي في ذلك المكانِ الهائلِ والحالةِ الفظيعةِ ﴿ثُبُوراً﴾ أي يتمنَّون هلاكاً وينادُونه يا ثبُوراه تعالَ فهذا حِينُك وأوانُك
﴿لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُوراً واحدا﴾ على تقدير قول إمَّا منصوبٌ على أنَّه حالٌ من فاعلِ دَعَوا أي دَعَوه مقُولاً لهم ذلك حقيقة بأنْ يخاطبهم الملائكةُ به لتنبيههم على خلودِ عذابِهم وأنَّهم لا يُجابون إلى ما يَدْعُونه ولا ينالون ما يتمنَّونه من الهلاكِ المنجِّي أو تمثيلاً وتصويراً لحالهم بحال مَن يُقال له ذلك من غير أن يكون هناك قولٌ ولا خطابٌ أي دَعَوه حالَ كونِهم أحقاء بأن يقال لهم ذلك وإمَّا مُستأنفٌ وقع جوابا عن سؤال ينسحبُ عليه الكلامُ كأنَّه قيلَ فماذَا يكونُ عند دُعائِهم المذكورِ فقيل يُقال لهم ذلك إقناطاً مَّما علَّقوا به أطماعَهم من الهلاك وتنبيهاً على أنَّ عذابهم الملجئ لهم إلى استدعاء الهلاكِ بالمَّرةِ أبديٌّ لا خلاصَ لهم منه أي