سورة الفرقان
١٧ - ١ {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) نُصب على أنَّه مفعول لمضمرٍ مقدَّمٍ معطوف على قوله تعالى قل أذلك الخ أي واذكر لهم بعد التَّقريعِ والتَّحسيرِ يوم يحشرهم الله عزَّ وجلَّ وتعليقُ التَّذكيرِ باليوم مع أن المقصودَ تذكيرُ ما وقع فيه من الحوادثِ الهائلةِ قد مرَّ وجُهه غيرَ مرَّةٍ أو على أنَّه ظرفٌ لمضمرٍ مؤخَّرٍ قد حُذف للتَّنبيةِ على كمال هو له وفظاعةِ ما فيه والإيذانِ بقُصورِ العبارةِ عن بيانِه أي يومَ يحشرُهم يكون من الأحوالُ والأهوالُ ما لا يفي ببيانِه المقالُ وقرئ بنونِ العظمةِ بطريقِ الالتفاتِ من الغَيبةِ إلى التَّكلمِ وبكسرِ الشِّينِ أيضاً (وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله) أُريد به ما يعمُّ العقلاء وغيرَهم إمَّا لأنَّ كلمةَ ما موضوعةٌ للكلِّ كما ينبئ عنه أنك إذا رأيت شَبَحاً من بعيدٍ تقولُ ما هو أو لأنَّه أُريد به الوصفُ لا الذَّاتُ كأنَّه قيل ومعبوديهم أو لتغليب الأصنامِ على غيرِها تنبيهاً على أنَّهم مثلُها في السُّقوطِ عن رتبة المعبودية أو اعتبارا لغلبة عبدتِها أو أُريد به الملائكةُ والمسيحُ وعزيرٌ بقرينةِ السُّؤالِ والجوابِ أو الأصنامُ ينطقها الله تعالى أو تكلُّم بلسانِ الحالِ كما قيل في شهادةِ الأيدِي والأرجلِ (فَيَقُولُ) أي الله عزل وجلَّ للمعبودينَ إثرَ حشرِ الكلِّ تقريعاً للعَبَدةِ وتبكيتاً لهم وقرئ بالنُّون كما عُطف عليه وقرئ هذا بالياء والأولُ بالنُّون على طريق الالتفاتِ إلى الغيبة (أأنتم أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَؤُلاَء) بأنْ دعوتُموهم إلى عبادتِكم كما في قوله تعالى أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين مِن دُونِ الله (أَمْ هُمْ ضَلُّوا السبيل) أي عن السَّبيلِ بأنفسِهم لإخلالِهم بالنَّظر الصَّحيحِ وإعراضهم عن المرشدِ فحذف الجارَّ وأوصل الفعلُ إلى المفعول كقوله تعالى وهو يهدِي السَّبيلَ والأصلُ إلى السَّبيلِ أو السبيل وتقديم الضَّميرينِ على الفعلينِ لأنَّ المقصودَ بالسُّؤالِ هو المُتصدَّي للفعل لا نفسُه
(قالوا) استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية السؤالِ كأنَّه قيلَ فماذَا قالوا في الجواب فقيل قالوا (سبحانك) تعجُّباً ممَّا قيل لهم لأنَّهم إمَّا ملائكة معصومون وجمادات لا قُدرةَ لها على شيءٍ أو إشعاراً بأنَّهم الموسُومون بتسبيحِه تعالى وتوحيدِه فكيف يتأتَّى منهم إضلالُ عبادِه أو تنزيهاً له تعالى عن الأندادِ (مَا كان ينبغي لها) أي ما صح وما استقام لنا (أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ) أي متجاوزينَ إيَّاك (مِنْ أَوْلِيَاء) نعبدُهم لِما بنا من الحالةِ المُنافيةِ له فأنَّى يُتصوَّرُ أن نحمل غيرنا على أنْ يتَّخذَ ولياً غيرَك فضلاً أنْ يتخذنا وليا أو أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ أولياءَ أي أتباعاً فإنَّ الولي كما يُطلق على المتبوعِ يُطلق على التَّابعِ كالمَوْلى يُطلق على الأَعلى والأسفلِ ومنه أولياءُ الشَّيطانِ أي أتباعه وقرئ على البناءِ للمفعولِ من المتعدي إلى المفعولين كما في قوله تعالى واتخذ الله إبراهيم خَلِيلاً ومفعوله الثَّاني من أولياء على أنَّ مِن للتبعيضِ أي أنْ نتخذَ بعضَ أولياءٍ وهي على الأول مزيدةٌ وتنكيرُ أولياء من حيثُ إنَّهم أولياء مخصوصون


الصفحة التالية
Icon