سورة الشعراء (١٩ ٢٢) مُوسى عليه السَّلامُ فقال عند ذلك ﴿أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا﴾ في حِجرِنا ومنازلِنا ﴿وَلِيداً﴾ أي طِفلاً عبر عنه بذلك لقُرب عهده بالولادة ﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ قيل لبثَ فيهم ثلاثين سنةً ثم خرجَ إلى مدينَ وأقام بها عشرَ سنين ثمَّ عاد إليهم يدعُوهم إلى الله عزَّ وجلَّ ثلاثينَ سنة ثم بقي بعدَ الغرقِ خمسينَ سنة وقيل وكز القبطيَّ وهو ابنُ اثنتي عشرةَ سنة وفرَّ منهم على أثرِ ذلك والله أعلم
﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التى فَعَلْتَ﴾ يعني قتلَ القبطيِّ بعد ما عدَّد عليه نعمتَهُ من تربيته وتبليغِه مبلغَ الرِّجالِ وبَّخه بَما جَرَى عليه من قتلِ خبَّازِه وعظَّم ذلك وفظَّعه وقُرىء فِعلتك بكسر الفاء لأنَّها كانتْ نَوْعاً من القتل ﴿وَأَنتَ مِنَ الكافرين﴾ أي بنعمتي حيثُ عمدتَ إلى قتلِ رجلٍ من خواصّي أو أنت حينئذٍ ممَّن تكفِّرهم الآنَ وقد افترى عليه عليه الصلاة والسلام أو جهلَ أمره عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حيثُ كان يعايشهم بالتقنية وإلا فأينَ هُو عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من مشاركتِهم في الدين فالجملة حيئذ حال من إحدى التأمين ويجوزُ أنْ يكونَ حُكماً مبتدأ عليه أنه من الكافرينَ بإلهيته أو ممَّن يكفرُون في دينِهم حيثُ كانتْ لهم آلهةٌ يعبدونها أو من الكافرين بالنِّعم المعتادين لغمطها ومنِ اعتادَ ذلك لا يكونُ مثلُ هذه الجنايةِ بدعاً منْهُ
﴿قَالَ﴾ مجُيباً له مصدِّقاً له في القتلِ ومكذِّباً فيما نسبه إليه من الكفر ﴿فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضالين﴾ أي من الجاهلينَ وقد قُرىء كذلك لا من الكافرينَ كما زعمت افتراءً أي من الفاعلين فعل الجهلة والسُّفهاءِ أو من المخطئين لآنه لم يعتمد قتلَه بل أرادَ تأديبَه أو الذَّاهبين عمَّا يُؤدِّي إليه الوكز أو الناسين كقوله تعالى {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى
! فَفَرَرْتُ مِنكُمْ إلى ربيِّ ﴿لما خفتكم﴾ أن تصيبونني بمضرة وتؤاخذوني بماء لا استحقه بجنابتي من العقابِ ﴿فَوَهَبَ لِى رَبّى حُكْماً﴾ أي حكمةً أو النبوة ﴿وجعلني من المرسلين﴾ ردأ ولا بذلك ما وبَّخه به قدحاً في نبُّوته ثم كرَّ على ما عده عليه من النِّعمةِ ولم يصرِّحْ بردِّه حيثُ كان صدقاً غيرَ قادحٍ في دعواه بل نبَّه على أنَّ ذلك كان في الحقيقة نقمة فقال
﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أنْ عبَّدتَ بني إسرائيلَ﴾ أي تلك التربيةُ نعمةٌ تمنُّ بها عليَّ ظاهراً وهي في الحقيقةِ تعبيدُك بني إسرائيلَ وقصدُك إيَّاهم بذبحِ أبنائِهم فإنَّه السببُ في وقوعي عندكَ وحصولي في تربيتِك وقيل إنه مقدَّرٌ بهمزةِ الإنكار أي أوَ تلك نعمة تمنُّها عليَّ وهي أنْ عبَّدتَ بني إسرائيلَ ومحلُّ أنْ عبَّدتَ الرُّفعُ على أنَّه خبر مبتدأ محذوفٍ أو بدلٌ من نعمةٌ أو الجرُّ بإضمارِ الباءِ أو النَّصبُ بحذفهِا وقيل تلك إشارةٌ إلى خصلةٍ شنعاءَ مبهمةٍ وأنْ عبَّدتَ عطفُ بيانٍ لها والمعنى تعبيدُك بني إسرائيلَ نعمةٌ تمنُّها عليَّ وتوحيدُ الخطابِ في تمنُّها وجمعه فيما قبلَه لأن المنة منه خاصَّة والخوفُ والفرارُ منه ومن ملئه