سورة الشعراء (٧٣ ٧٨)
الماضيةِ لاستحضار صُورتِها كأنَّه قيل لهم استحضُروا الأحوالَ الماضيةَ التي كنتُم تدعونها فيها وأجيبُوا هل سمعُوا أو سنعوا قط
﴿أَوْ يَنفَعُونَكُمْ﴾ بسبب عبادتِكم لها ﴿أَوْ يَضُرُّونَ﴾ أي يضرونكم بترككم لعبادتها إذا لابد للعبادة لا سيَّما عند كونِها على ما وصفتُم من المبالغة فيها من جلب نفعٍ أو دفعِ ضرَ
﴿قالُوا بل وجدنا آباءَنا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ اعترفُوا بأنَّها بمعزلٍ مَّما ذكر من السَّمعِ والمنفعةِ والمضرَّةِ بالمرَّة واضطرُّوا إلى إظهار أنْ لا سندَ لهم سوى التَّقليد أي ما علمنا أو ما رأينا منهم ما ذُكِرَ منَ الأمورِ بل وجدنا آباءَنا كذلك يفعلُون أي مثلَ عبادِتنا يعبدون فاقتدينا بهم
﴿قال أفرأيتم مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ﴾ أي أنظرتُم فأبصرتُم أو أتأمَّلتمُ فعلمتم ما كنتُم تعبدونَهُ
﴿أنتم وآباؤكم الأقدمون﴾ حقَّ الإبصارِ أو حقَّ العلمِ وقوله
﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى﴾ بيانٌ لحال ما يعبدونَه بعد التَّنبيهِ على عدم علمِهم بذلك أي فاعلموا أنَّهم أداء لعابديهم الذين يجبونهم كحبِّ الله تعالى لما أنهم يتضرَّرون من جهتهم فوق ما يتضرَّر الرَّجلُ من جهة عدوِّه أو لأنَّ مَن يُغريهم على عبادتهم ويحملُهم عليها هو الشيطان الذي هو أعدى عدوِّ الإنسانِ لكنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ صوَّر الأمر في نفسه تعريضاً بهم فإنَّه أنفعُ في النَّصيحة من التَّصريح وإشعاراً بأنَّها نصيحة بدأ بها نفسَه ليكون أدعى إلى القَبولِ والعدوُّ والصَّديقُ يجيئانِ في معنى الواحدِ والجمعِ ومنه قولَه تعالى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ شبها بالمصادر للموازنةِ كالقبول والولوع والحنين والصَّهيلِ ﴿إلا رب العالمين﴾ استثناءٌ منقطعٌ أي لكِنْ ربُّ العالمينَ ليس كذلك بل هو وليّ في الدُّنيا والآخرة لا يزال يتفضَّلُ عليَّ بمنافعهما حسبما يُعرب عنه ما وصفه تعالى به من أحكام الولايةِ وقيل متَّصلٌ وهو قولُ الزَّجاجِ على أنَّ الضَّميرَ لكلِّ معبود وكان من آبائِهم من عبدَ الله تعالى وقوله تعالى
﴿الذى خَلَقَنِى﴾ صفةٌ لربِّ العالمينَ وجعلُه مبتدأً وما بعْدَه خبراً غيرُ حقيقٍ بجزالة التَّنزيلِ وإنَّما وصفه تعالى بذلك وبما عطفه عليهِ مع اندراجِ الكلِّ تحت ربوبيتهِ تعالى للعالمين تصريحاً بالنِّعم الخاصَّةِ به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وتفصيلاً لها لكونِها أدخلَ في اقتضاءِ تخصيصَ العبادةِ به تعالى وقصرِ الالتجاء في جلبِ المنافعِ الدِّينيةِ والدُّنيويةِ المضارِّ العاجلةِ والآجلةِ عليه تعالى ﴿فهو يهدين﴾


الصفحة التالية
Icon