سورة الشعراء (٧٩ ٨٢)
يهديك أي هو يهديني وحدَهُ إلى كلِّ ما يُهمني ويُصلحني من أمور الدِّين والدُّنيا هدايةً متصلةً بحين الخلقِ ونفخ الرُّوحِ متجددة على الاستمرار كما ينبىءُ عنه الفاءُ وصيغةُ المضارعِ فإنَّه تعالى يهدي كلَّ ما خلقه لما خُلق له من أمور المعاش والمعادِ هدايةً متدرجة من مبدأ إتجاده إلى منتهى أجلِه يتمكَّن بها من جلبِ منافعهِ ودفع مضارِّه إمَّا طبعاً وإمَّا اختياراً مبدؤُها بالنَّسبة إلى الإنسان هداية الجنينِ لامتصاص دمِ الطَّمثِ ومنتهاها الهدايةُ إلى طريق الجنَّةِ والتَّنعمِ بنعيمها المقيمِ
﴿والذى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ﴾ عطفٌ على الصِّفة الأولى وتكريرُ الموصولِ في المواقعِ الثَّلاثةِ مع كفاية عطف ما وقع في حيِّز الصِّلةِ من الجُمل السِّتِّ على صلة الموصول الأول للإيذانِ بأنَّ كلَّ واحدةٍ من تلك الصِّلاتِ نعتٌ جليلٌ له تعالى مستقلٌّ في استيجاب الحكم حقيقة بأنْ تجري عليه تعالى بحيالها ولا تجعل من روادِف غيرها
﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ عطفٌ على يُطعمني ويسقين نُظم معهما في سلك الصِّلةِ لموصول واحدٍ لما أنَّ الصِّحَّةَ والمرض من متفرِّعاتِ الأكل والشُّرب غالباً ونسبةُ المرضِ إلى نفسه والشفاءء إلى الله تعالى مع أنَّهما منه تعالى لمراعاة حُسنِ الأدبِ كما قال الخَضِرُ عليه السَّلامُ فأردتُ أنْ أعيبها وقال فأرادَ ربُّك أنْ يبلُغا أشدَّهما وأما الإماتُة فحيث كانتْ من معظم خصائصِه تعالى كالإحياءِ بدَءاً وإعادةً وقد نيطتْ أمورُ الآخرةِ جميعاً بها وبما بعدَها من البعث نظمهما في سمطٍ واحدٍ في قوله تعالى
﴿والذى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ على أنَّ الموتَ لكونه ذريعةً إلى نيله عليه الصلاةُ والسَّلامُ للحياة الأبديَّةِ بمعزل من أن يكون غيرَ مطبوع عنده عليه الصَّلاة والسَّلام
﴿والذى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدين﴾ ذِكرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هضماً لنفسه وتعليماً للأمَّةِ أنْ يجتنبُوا المعاصي ويكونوا على حَذَرٍ وطلب مغفرة لَما يفرطُ منهم وتلافياً لما عَسَى يندرُ منه عليه الصلاة والسلام من الصَّغائر وتنبيهاً لأبيه وقومه على أنْ يتأمَّلوا في أمرهم فيقفُوا على أنَّهم من سوء الحال في درجةٍ لا يقادَر قدرُها فإنَّ حالَه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مع كونه ف طاعة الله تعالى وعبادتِه في الغاية القاصيةِ حيثُ كانت بتلك المثابة فما ظك بحال أولئك المغمُورين في الكُفر وفُنون المعاصي والخطايا وحملُ الخطيئة على كلماتِه الثَّلاثِ إنِّي سقيمٌ بل فعله كبيرُهم وقوله لسارَّةَ حتى أختي مَّما لا سبيلَ إليه لأنَّها مع كونها معاريض لا من قبيل الخطايا المفتقرةِ إلى الاستغفار إنَّما صدرتْ عنه عليه الصلاة والسلام بعد هذه المقاولةِ الجاريةِ بينه وبين قومِه أما الثَّالثةُ فظاهرةٌ لوقوعِها بعد مهاجرتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى


الصفحة التالية
Icon