سورة الشعراء (١٩٣ ١٩٧) العالمين
﴿نَزَلَ بِهِ﴾ أي أنزلَه ﴿الروح الأمين﴾ أي جبريلَ عليهِ السَّلامُ فإنَّه أمينُ وحيهِ تعالى وموصِلُه إلى أنبيائِه عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ وقرئ بتشديدِ الزَّايِ ونصبِ الرُّوحِ والأمينِ أي جعل الله تعالى الرُّوحَ الأمينَ نازلاً به
﴿على قَلْبِكَ﴾ أي رُوحك وإن أُريد به العُضو فتخصيصه به لأنَّ المعانَيَ الرُّوحانيَّةَ تنزل أولاً على الرُّوحِ ثمَّ تنتقلُ منه إلى القلبِ لما بينَهما من التَّعلُّق ثم تتصعدُ إلى الدماغ فينتصف بها لوحُ المتخيلةِ ﴿لِتَكُونَ مِنَ المنذرين﴾ متعلِّق بنزلَ به أي أنزله لتنذرَهم بَما فِي تضاعيفِه من العقوباتِ الهائلةِ وإيثارُ مَا عليهِ النظمُ الكريم للدلالة على انتظامه ﷺ في سلكِ أولئك المنذرينَ المشهورينَ في حقِّيةِ الرِّسالةِ وتقرُّرِ وقوعِ العذابِ المُنذَر
﴿بِلِسَانٍ عَرَبِىّ مُّبِينٍ﴾ واضحِ المعنى ظاهرِ المدلولِ لئلاَّ يبقَى لهُم عذرٌ ما وهُو أيضاً متعلِّق بنزل به وتأخيره للاعتناءِ بأمر الإنذارِ وللإيماء إلى أنَّ مدارَ كونِه من جُملة المنذرين المذكورينَ عليهم السَّلامُ مجرد انزاله عليه ﷺ لا إنزالُه باللِّسان العربيِّ وجعلُه متعلِّقاً بالمنذرين كما جَوَّزه الجمهورُ يؤدِّي إلى أنَّ غاية الإنزال كونُه ﷺ من جملة المنذرينَ باللغة العربية فقط من هود وصالح وشعيب عليه السلام ولا يخفى فسادُه كيف لا والطَّامةُ الكُبرى في باب الإنذارِ ما أنذره نوح وموسى عليهما السلام وأشدُّ الزَّواجرِ تأثيراً في قلوب المشركينَ ما أنذَره إبراهيمُ عليه السلام لانتمائِهم وادِّعائِهم أنهم على ملَّته عليه الصلاة والسلام
﴿وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الأولين﴾ أي وإنَّ ذكره أو معناه لفي الكتبِ المتقدِّمةِ فإن أحكامه التي لا تحتملُ النَّسخَ والتَّبديلَ بحسب تبدُّلِ الأعصار من التَّوحيد وسائر ما يتعلَّق بالذَّات والصِّفاتِ مسطورة فيها وكذا ما في تضاعيفِه من المواعظ والقصصِ وقيلَ الضَّميرُ لرسولِ الله ﷺ وليس بواضحٍ
﴿أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آية﴾ الهمزة للإنكارِ والنَّفيِ والواو للعطفِ على مقدرٍ يقتضيه الماقم كأنَّه قيل أغفلوا عن ذلك ولم يكن لهم آيةٌ دالَّةٌ على أنَّه تنزيلٌ مّن ربِّ العالمينَ وأنه في زُبُر الأوَّلينَ على أنه لهم متعلق بالكون قُدِّم على اسمه وخبرهِ للإهتمام به أو بمحذوفٍ هو حالٌ من آيةً قُدِّمت عليها لكونها نكرةً وآية خبر للكون قُدِّم على اسمهِ الذي هو قوله تعالى ﴿أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بني إسرائيل﴾ لما مر مرارا من الاعتياء والتشويق إلى المؤخر أي أن يعرفوه بنعوتِه المذكورة في كُتبهم ويعرفُوا من أنزل عليه وقرئ تكن بالتَّأنيثِ وجعلت آيةٌ اسماً وأن يعلمه خبراً وفيه ضعفٌ حيث وقع النَّكرةُ اسماً والمعرفة خبراً وقد قيل في تكن ضمير القصة