سورة النمل (٩١٠) شاطئ الوادي الأيمنِ في البقعة المباركة ومن حولَ مكانها وقرئ تباركتِ الأرضُ ومَن حولَها والظَّاهرُ عمومُه لكلِّ مَن في ذلك الوادِي وحواليه من أرض الشَّامِ الموسومةِ بالبركات لكونها مبعثَ الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلام وكفاتهم أحياءً وأمواتاً ولا سيَّما تلك البقعةُ التي كلَّم الله تعالى فيها مُوسى وقيل المرادُ موسى والملائكةُ الحاضرونَ وتصديرُ الخطابِ بذلك بشارةٌ بأنَّه قد قضى له أمر عظيمٌ دينيٌّ تنتشر بركاتُه في أقطارِ الشَّامِ وهو تكليمُه تعالى إياه عليه الصلاة والسلام واستنباؤه له وإظهار المعجزات على يدِه عليه الصلاةُ والسَّلامُ ﴿وسبحان الله رَبّ العالمين﴾ تعجيبٌ لموسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من ذلك وإيذان بأن ذلك مر يده ومكونُه ربُّ العالمينَ تنبيهاً على أنَّ الكائنَ من جلائل الأمور وعظائم الشئون ومن أحكامِ تربيته تعالى للعالمين
﴿يا موسى إِنَّهُ أَنَا الله﴾ استئنافٌ مَسوقٌ لبيان آثارِ البركةِ المذكورة والضمير إما للشأن وأنا اللَّهُ جملة مفسِّرةٌ له وإمَّا راجعٌ إلى المتكلِّمِ وأنا خبرُه والله بيانٍ له وقولُه تعالى ﴿العزيز الحكيم﴾ صفتانِ لله تعالى ممهدتانِ لما أريد إظهارُه على يدِه من المعجزاتِ أى أما القويُّ القادرُ على ما لا تناله الأوهامُ من الأمورِ العظامِ التي من جُملتها أمرُ العصا واليدُ الفاعل كلَّ ما أفعله بحكمةٍ بالغة وتدبير رصين
﴿وَأَلْقِ﴾ عطف على بُورك منتظمٌ معه في سلك تفسير النِّداءِ أي نُودي أنْ بُورك وأن ألقِ ﴿عَصَاكَ﴾ حسبما نطقَ به قولُه تعالى وأنْ ألقِ عصاك بتكريرِ حرفِ التَّفسير كما تقول كتبتُ إليه أنْ حُجَّ وأنِ اعتمرْ وإن شئتَ أن حجَّ واعتمرْ والفاء في قوله تعالى ﴿فلما رآها تهتز﴾ فصيحة تفصيح عن جملة قدد حُذفت ثقةً بظهورها ودلالةً على سرعةِ وقوع مضمونِها كما في قوله تعالى فلما رأينه أكبرنه بعد قوله تعالى اخرج عَلَيْهِنَّ كأنه قيل فألقاها فانقلب حيةً تسعى فأبصرَها فلَّما أبصرها متحركةً بسرعة واضطراب قوله تعالى ﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ أي حيَّةٌ خفيفة سريعة الحركة جملة حالية إما من مفعول رأى مثل تهتز كمَا أُشير إليهِ أو من ضميرِ تهتز على طريقة التداخل وقرئ جأن على لغةِ مَنْ جدَّ في الهربِ من التقاءِ السَّاكنينِ ﴿ولى مُدْبِراً﴾ من الخوفِ ﴿وَلَمْ يُعَقّبْ﴾ أي لم يرجعْ على عقبةِ مِن عقّب المقاتلُ إذا كرَّ بعد الفرِّ وإنما اعتراهُ الرُّعب لظنِّه أن ذلك لأمر أريد به كما ينبئ عنه قوله تعالى ﴿يا موسى لاَ تَخَفْ﴾ أي من غيري ثقةً بي أو مطلقاً لقوله تعالى ﴿إِنّى لا يخاف لدى المرسلون﴾ فإنَّه يدلُّ على نفيِ الخوفِ عنهم مُطلقاً لكن لا في جميعِ الأوقاتِ بل حين يُوحى إليهم كوقتِ الخطابِ فإنَّهم حينئذٍ مستغرقون في مطالعة شئون الله عزَّ وجلَّ لا يخطرُ ببالِهم خوفٌ من أحدٍ أصلاً وأما في سائرِ الأحيانِ فهم أخوفُ النَّاسِ منه سبحانَه أو لا يكون لهم عندي سوءُ عاقبة ليخافُوا منه