سورة النمل (١٧) يقولُ إذا أكلتُ نصفُ تمرةٍ فعلى الدُّنيا العَفاءُ وصاحتْ فاختةٌ فأَخبرَ أنَّها تقولُ ليتَ الخلقَ لم يخلقوا وصاح طاوس فقالَ يقول كَمَا تَدينُ تُدانُ وصاحَ هُدهدٌ فقالَ يقول استغفرُوا الله يا مُذنبينَ وصاحَ طَيْطَوى فقال يقول كُلُّ حيَ ميتٌ وكلُّ جديدٍ بالٍ وصاحَ خُطَّافٌ فقالَ يقولُ قَدِّمُوا خيراً تجدوه وصاحَ قَمْريٌّ فأَخبرَ أنَّه يقولُ سُبحانَ ربِّي الأَعْلَى وصاحت رخمةٌ فقال تقول سبحان ربي الأعلى ملءَ سمائِه وأرضِه وقالَ الحِدَأةُ تقولُ كلُّ شيءٍ هالكٌ إلا الله والقطاةُ تقولُ منْ سكتَ سلَمْ والببغاءُ تقولُ ويلٌ لمنْ الدٌّنيا همُّه والديكُ يقولُ اذكرُوا الله يا غافلينَ والنَّسرُ يقولُ يا ابنَ آدمَ عِشْ مَا شئتَ آخرُكَ الموتُ والعُقابُ تقولُ في البعدِ عن النَّاسِ أُنسٌ والضِّفدِعُ يقولُ سبُحانَ رَبِّي القُدُّوسِ وأرادَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بقولِه عُلِّمنا وأُوتينَا بالنُّونِ التي يُقال لها نونُ الواحدِ المُطاع بيانَ حالِه وصفتِه من كونِه ملكاً مطاعاً لكنْ لا تجبُّراً وتكبُّراً بل تمهيداً لما أرادَ منهم من حُسنِ الطاعةِ والانقيادِ له في أوامرِه ونواهيِه حيثُ كان على عزيمةِ المسيرِ وبقولِه من كلِّ شيءٍ كثرةَ ما أُوتيه كما يُقال فلانٌ يقصده كلُّ أحدٍ ويعلمُ كلَّ شيءٍ ويُرادُ بهِ كثرةَ قُصَّادِه وغزارةَ علمهِ ومثلُه قولُه تعالى وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء وقالَ ابن عباس رضي الله عنهُمَا كلُّ ما يهمُّه من أمرِ الدُّنيا والآخرةِ وقال مقاتلٌ يعني النُّبوةَ والملكَ وتسخيرَ الجنِّ والإنسِ والشياطينِ والريحِ ﴿إِنَّ هَذَا﴾ إشارةٌ إلى ما ذكر من التعليمِ والإيتاء ﴿لَهُوَ الفضل﴾ والإحسانُ من الله تعالَى ﴿المبين﴾ الواضحُ الذي لا يخفى على أحد أو إنَّ هَذا الفضلَ الذي أُوتيهِ لهو الفضلُ المبينُ على أنَّه عليه الصلاةُ والسَّلامُ قاله على سبيل الشكرِ والمحمدةِ كما قالَ رسول الله ﷺ أنَا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخرَ أي أقولُ هذا القولَ شُكراً لا فخراً ولعلَّه عليهِ الصَّلاة والسَّلام رتَّب على كلامه ذلك دعوةَ النَّاسِ إلى الغزوِ فإنَّ إخبارَهم بإيتاءِ كُلّ شَىْء من الأشياء التي من جُملتها آلاتُ الحربِ وأسبابُ الغزوِ ممَّا ينبئ عن ذلك فمعنى قوله تعالى
﴿وَحُشِرَ لسليمان جُنُودُهُ﴾ جُمع له عساكرُه ﴿مِنَ الجن والإنس والطير﴾ بمباشرة مخاطبيِه فإنَّهم كانوا رؤساءَ مملكتِه وعظماءَ دولتهِ من الثَّقلينِ وغيرِهم بتعميم النَّاس للكلِّ تغليباً وتقديمُ الجنِّ على الإنسِ في البيانِ للمسارعةِ إلى الإيذانِ بكمالِ قوَّة مُلكِه وعزَّةِ سُلطانِه من أولِ الأمرِ لما أنَّ الجن طائفة عانية وقبيلةٌ طاغيةٌ ماردةٌ بعيدةٌ من الحشرِ والتسخيرِ ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ أي يُحبس أوائلُهم على أواخِرهم أي يُوقف سُلافُ العسكرِ حتى يلحقَهم التَّوالي فيكونُوا مجتمعينَ لا يتخلف منهم أحدٌ وذلك للكثرة العظيمةِ ويجوزُ أنْ يكونَ ذلكَ لترتيب الصُّفوفِ كما هو المُعتاد في العساكرِ وفيه إشعارٌ بكمال مسارعتِهم إلى السير وتخصيص حبس أوائلِهم بالذكر دون سوقِ أواخرهم مع أنَّ التلاحقَ يحصلُ بذلكَ أيضاً لما أنَّ أواخرَهم غيرُ قادرينَ على ما يقدرُ عليه أوائلُهم من السيرِ السريعِ وهذا إذَا لم يكُن سيرُهم بتسييرِ الرِّيح في الجوِّ رُوي أنَّ معسكرَه عليه الصَّلاة والسَّلام كان مائةَ فرسخٍ في مائةٍ خمسةٌ وعشرونَ للجنِّ وخمسةٌ وعشرونَ للإنس وخمسةٌ وعشروَن للطيرِ وخمسةٌ وعشرونَ للوحشِ وكان له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ألف بيتٍ من قوارير على الخشب فيها ثلثمائة منكوحةٍ وسبعمائةُ سريةٍ وقد نسجتْ له الجنُّ بساطاً من ذهبٍ وإِبْرِيْسَمَ فرسخاً في فرسخٍ وكان يُوضعُ منبرُه في وسطِه وهو من ذهب