سورة النمل (٣٢ ٣٥)
﴿قَالَتْ﴾ كُررتْ حكايةُ قولِها للإيذانِ بغايةِ اعتنائِها بما في حيزه من قولِها ﴿يا أيها الملا أَفْتُونِى فِى أَمْرِى﴾ أي أجيبونِي في أمرِي الذي حَزَبني وذكرتُ لكم خُلاصتَه وعبرتْ عن الجوابِ بالفَتوى التي هي الجواب في الحوادث المشكلة غالباً تهويلاً للأمر ورفعاً لمحلهم بالإشعار بأنهم قادرونَ على حلِّ المشكلاتِ المُلمَّةِ وقولُها ﴿مَا كُنتُ قاطعة أَمْراً﴾ أي من الأمورِ المتعلقةِ بالملكِ ﴿حتى تَشْهَدُونِ﴾ أي إلا بمحضرِكم وبموجبِ آرائِكم استعطاف لهم واستمالة لقلوبِهم لئلاَّ يخالفُوها في الرَّأي والتدبير
﴿قالوا﴾ استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية قولِها كأنَّه قيل فمَاذا قالُوا في جوابِها فقيلَ قالُوا ﴿نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ﴾ في الأجسادِ والآلاتِ والعُددِ ﴿وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ أي نجدةٍ وشجاعةٍ مفرطةٍ وبلاءٍ في الحربِ ﴿والأمر إِلَيْكِ﴾ أي هو موكولٌ إليكِ ﴿فانظرى مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ ونحنُ مطيعونَ لكِ فمُرينا بأمرِك نمتثلْ به ونتبعْ رأيكِ وأرادوا نحنُ من أبناءِ الحربِ لا من أبناءِ الرأي والمشورةِ وإليكِ الرَّأي والتَّدبيرِ فانظرِي ماذا ترينَ نكنْ في الخدمةِ فلَّما أحسَّتْ منهم الميلَ إلى الحرابِ والعدولَ عن سَنَنِ الصَّوابِ شرعت في تزييف مقلتهم المبنيةِ على الغفلةِ عن شأنِ سليمانَ عليه السَّلامُ وذلك قولُه تعالى
﴿قَالَتْ إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً﴾ من القُرى على منهاجِ المقاتلةِ والحرابِ ﴿أَفْسَدُوهَا﴾ بتخريبِ عماراتِها وإتلافِ ما فيها من الأموالِ ﴿وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ بالقتلِ والأسرِ والإجلاءِ وغيرِ ذلك من فُنونِ الإهانةِ والإذلالِ ﴿وكذلك يَفْعَلُونَ﴾ تأكيدٌ لما وصفتْ من حالِهم بطريقِ الاعتراضِ التذييليِّ وتقريرٌ له بأنَّ ذلك عادتُهم المستمرةُ وقيل تصديقٌ لها من جهة الله تعالى على طريقة قوله تعالى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً إثر قوله تعالى لنفد البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّى
﴿وَإِنّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ تقرير لرأيها بعدما زيفتْ آراءَهم وأتتْ بالجملةِ الاسميةِ الدالةِ على الثبات المصدرةِ بحرفِ التحقيق للإيذانِ بأنَّها مزمعةٌ على رأيها لا يَلويها عنه صارفٌ ولا يَثْنيها عاطفٌ أيْ وإنِّي مرسلةٌ إليهم رُسُلاً بهديةٍ عظيمة ﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون﴾ حتَّى أعملَ بما يقتضيهِ الحالُ رُوي أنَّها بعثت خمسمائةِ غلامٍ عليهم ثيابُ الجَوَاري وحليُّهن الأساورُ والأطواقُ والقِرَطةُ راكبى خيلٍ مغشَّاةٍ بالديباجِ محلاَّةِ اللُّجمِ والسُّروجِ بالذهبِ المُرَّصعِ بالجواهرِ وخمسمائةِ جاريةٍ على رِماك في زيِّ الغلمانِ وألفَ لبنةٍ من ذهبٍ وفضةٍ وتاجاً مكللاً بالدرِّ والياقوتِ المرتفعِ والمسكِ والعنبرِ وحُقَّاً فيه درةٌ عذراءُ وجزعة معوجة الثقبِ وبعثتْ رجلاً من أشرافِ قومِها المنذرَ بنَ عمروٍ وآخرَ ذار أي وعقلٍ وقالتْ إنْ كانَ نبياً ميَّز بين الغلمانِ والجواري وثقب الدرة نقبا مستوياً وسلك في الخرزةِ خيطاً ثمَّ قالتْ للمنذرِ إنْ نظرَ إليكَ نظرَ غضبانَ فهو ملكٌ فلا يهولنك