وكيفيّتي قدرتِهما على الإتيانِ به من كمال التباينِ أو لإسقاطِ الأولِ عن درجةِ الاعتبارِ قيلَ هو آصِفُ بن بزخيا وزيرُ سليمانَ عليه السَّلام وقيل رجلٌ كان عنده اسمُ الله الأعظمُ الذي إذا سُئل به أجابَ وقيل الخَضِرُ أو جبريلُ أو مَلَكٌ أيَّده الله عزَّ وجلَّ بهِ عليهم السَّلام وقيل هو سُليمانُ نفسُه عليه السَّلام وفيه بُعدٌ لا يَخْفى والمرادُ بالكتابِ الجنسُ المنتظِمُ لجميعِ الكتبِ المنزلِة أو اللوحُ وتنكيرُ عِلْمٌ للتفخيمِ والرمزِ إلى أنَّه علمٌ غيرُ معهودٍ ومِن ابتدائيةٌ ﴿أَنَاْ آتيك بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ الطَّرفُ تحريكُ الأجفانِ وفتحُها للنَّظرِ إلى شيء وارتداده انضمامها ولكونِه أمراً طبيعياً غيرَ منوطٍ بالقصدِ أُوثر الارتدادُ على الردِّ ولمَّا لم يكُنْ بينَ هذا الوعدِ وإنجازه مدة ما كما في وعدِ العفريتِ استغنى عن التأكيدِ وطُوي عند الحكاية ذكرُ الإتيانِ به للإيذانِ بأنَّه أمرٌ متحققٌ غنيٌّ عنِ الإخبارِ بهِ وجيءَ بالفاءِ الفصيحةِ لا داخلة على جملةٍ معطوفة على دجنلة مقدرةٍ دالةٍ على تحققِه فقط كما في قولِه عز وجل فَقُلْنَا اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق ونظائِره بل داخلة على الشرطيةِ حيثُ قيل ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُستقرّاً عِندَه﴾ أيْ رأى العرشَ حاضراً لديهِ كما في قولِه عزَّ وجلَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ للدلالةِ على كمالِ ظهورِ ما ذُكر مِن تحققةِ واستغنائِه عن الإخبارِ به ببيان ظهورِ ما يترتبُ عليه من رؤيةِ سُليمان عليه السَّلامُ إيَّاهُ واستغنائِه أيضاً عن التصريح به إذِ التَّقديرُ فأتاه به فَرآهُ فلمَّا رآه الخ فحذفَ ما حذف لما ذكرو للإيذان بكمالِ سرعةِ الإتيانِ به كأنَّه لم يقعْ بينَ الوعدِ به وبين رؤيتِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إيَّاه شيءٌ ما أصلاً وفي تقييدِ رؤيتِه باستقرارِه عندَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ تأكيدٌ لهذا المَعْنى لإيهامهِ أنَّه لم يتوسط بينَهما ابتداء الإتيانِ أيضاً كأنَّه لم يزلْ موجُوداً عندَهُ معَ ما فيه من الدلالة على دوامِ قرارِه عنده مُنتظماً في سلكِ مُلكه ﴿قال﴾ أي سليمان عليه السَّلامُ تلقياً للنعمةِ بالشُّكرِ جرياً على سَنَن أبناءِ جنسه من أنبياء الله تعالى عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ وخلَّصِ عبادِه ﴿هذا﴾ أي حضورُ العرشِ بين يديِه في هذهِ المُدَّة القصيرةِ أو التمكنُ من إحضارِه بالواسطةِ أو بالذاتِ كما قيلَ ﴿مِن فَضْلِ رَبّى﴾ أي تفضله عليَّ منْ غيرِ استحقاقٍ لهُ من قِبلَي ﴿ليبلوني أأشكر﴾ بأنْ أراهُ محضَ فضلِه تعالى من غيرِ حولٍ من جهتي ولا قوةٍ وأقومَ بحقِّه ﴿أَمْ أَكْفُرُ﴾ بأنْ أجدَ لنفسي مدخلاً في البينِ أو أقصِّر في إقامةِ مواجبِه كما هو شأنُ سائرِ النعمِ الفائضةِ على العبادِ ﴿وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ لأنَّه يرتبطُ به عتيدُها ويستلجب به مزيدُها ويحطُّ بهِ عن ذمَّته عبءَ الواجبِ ويتخلصُ عن وصمةِ الكُفرانِ ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ أيْ لم يشكُرْ ﴿فَإِنَّ رَبّى غَنِىٌّ﴾ عن شُكرهِ ﴿كَرِيمٌ﴾ بتركِ تعجيلِ العقوبةِ والإنعامِ مع عدمِ الشكرِ أيضاً
﴿قال﴾ أي سليمان عليه السَّلام كُررتِ الحكايةُ مع كونِ المحكيِّ سابقاً ولاحقاً من كلامِه عليه الصَّلاة والسَّلام تنبيهاً على ما بين السَّابقِ واللاحقِ من المخالفةِ لما أنَّ الأولَ من باب الشكر لله تعالى والثَّاني أمرٌ لخدمِه ﴿نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا﴾ أي غيِّروا هيئتَه بوجهٍ من الوجوه ﴿ننظر﴾ بالجزمِ على أنَّه جوابُ الأمر وقرئ بالرَّفعِ على الاستئنافِ ﴿أَتَهْتَدِى﴾ إلى معرفتِه أو إلى الجوابِ اللائقِ بالمقام وقيل إلى الإيمانِ بالله تعالى ورسولِه عند رؤيتِها لتقدمِ عرشها عرشِها من مسافةٍ طويلةٍ في مدةٍ قليلةٍ وقد خلَّفته مغلقةً عليه الأبوابَ موكلةً عليه الحَّراسَ والحجَّابَ


الصفحة التالية
Icon