سورة النمل (٤٤ ٤٦)
﴿قِيلَ لَهَا ادخلى الصرح﴾ الصَّرحُ القصرُ وقيل صحنُ الدَّارِ رُوي أنَّ سليمانَ عليهِ السَّلامُ أمرَ قبلَ قدومِها فبنَى له على طريقها قصر من زجاجٍ أبيضَ وأُجري منْ تحته الماءُ وأُلقَي فيه من دوابَ البحرِ السَّمك وغيرُه ووضعَ سريرُه في صدرِه فجلسَ عليهِ وعكفَ عليه الطيرُ والجنُّ والإنسُ وإنَّما فعلَ ذلك ليزيدها استعظاما لأمه وتحققا لبنوته وثباتاً على الدِّينِ وزعمُوا أنَّ الجنَّ كرهوا أنْ يتزوجَها فتفضيَ إليه بأسرارِهم لأنَّها كانتْ بنتَ جنيةٍ وقيل خافُوا أنْ يولَد له منْهَا ولدٌ يجتمعُ له فطنةُ الجنِّ والإنسِ فيخرجونَ من مُلكِ سلِيمانَ عليه السَّلامُ إلى مُلكٍ هو أشدُّ وأفظعُ فقالُوا إنَّ في عقلِها شيئاً وهي شَعراءُ الساقينِ ورجلُها كحافِر الحمارِ فاختبرَ عقلَها بتنكيرِ العرشِ واتخذَ الصَّرحَ ليتعرَّفَ ساقَها ورجلَها ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ﴾ وهو حاضرٌ بينَ يديها كما يَعربُ عنه الأمرُ بدخولِها وأحاطتْ بتفاصيلِ أحوالِه خبراً ﴿حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا﴾ وتشمرتْ لئلاَّ تبتلَّ أذيالُها فإذَا هي أحسنُ النَّاسِ ساقاً وقدماً خلا أنَّها شعْراءُ قيلَ هيَ السببُ في اتخاذِ النورةِ أمرَ بها الشياطينَ فاتخذوهَا واستنكحَها عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وأمرَ الجنَّ فبنَوا لها سيلحينَ وغمدانَ وكان يزورُها في الشهرِ مرةً ويقيمُ عندها ثلاثةَ أيامٍ وقيل بل زوَّجها ذا تُبَّعٍ ملكِ هَمْدانَ وسلَّطه علي اليمنِ وأمر زوبعةَ أميرَ جنِّ اليمنِ أنْ يطيعَه فبنى له المصانع وقرئ سأفيها حملا للمفردِ على الجمعِ في سُؤْقٍ وأَسْؤُقٍ ﴿قَالَ﴾ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حين رأَى ما اعتراها من الدَّهشةِ والرُّعبِ ﴿أَنَّهُ﴾ أي ما توهمْتُه ماءً ﴿صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ﴾ أي مملسٌ ﴿مّن قَوارِيرَ﴾ من الزجاجِ ﴿قَالَتْ﴾ حينَ عاينتْ تلكَ المعجزَة أيضاً ﴿رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى﴾ بما كنتُ عليهِ إلى الآنَ من عبادةِ الشمس وقيل بظى بسليمانَ حيثُ ظنَّتْ أنَّه يريدُ إغراقَها في اللُّجةِ وهو بعيدٌ ﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سليمان﴾ تابعةً له مقتديةً به وما في قولِه تعالى ﴿لِلَّهِ رَبّ العالمين﴾ من الانتفات إلى الاسمِ الجليلِ ووصفُه بربوبيةِ العالمينَ لإظهارِ معرفتِها بألوهيتِه تعالَى وتفرُّده باستحقاقِ العبادة وبوبيته لجميعِ الموجُوداتِ التي منْ جُملتها ما كانتْ تعبدُه قبلَ ذلكَ من الشَّمسِ
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلنَا﴾ عطفٌ على قوله تعالى ولقد آتينا داود وسليمان عِلْماً مسوقٌ لما سيقَ هُو له من تقريرِ أنَّه عليه الصلاةُ والسلام يلقى القرآن من لدن حكيمٍ عليمٍ فإنَّ هذه القصة أيضا من جملة القرآن الكريم الذي لقيَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ واللامُ جوابُ قسمٍ محذوفٍ أيْ وبالله لقد أرسلنَا ﴿إلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا﴾ وأنْ في قولِه تعالَى ﴿أَنِ اعبدوا الله﴾ مفسرةٌ لما في الإرسالِ من معنى القولِ أو مصدريةٌ حُذف عنها الباءُ وقرئ بضمِّ النُّونِ إتباعاً لها للباءِ ﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يختصمون﴾ ففاجئوا التفرق والاختصامَ فآمنَ فريقٌ وكفر فريق والواو لمجموع الفريقين
﴿قال﴾ عليه


الصفحة التالية
Icon