سورة النمل (٥٠ ٥٤) ما نقولُ والحالُ إنَّا لصادقونَ في ذلكَ لأنَّ الشاهدَ للشيءِ غيرُ المباشرِ له عُرفاً أو لأنَّا ما شاهدنا مهلكَهم وحدَه بل مهلِكه ومهلكَهم جميعاً كقولِك ما رأيتُ ثمةَ رجلاً بل رجلين
﴿وَمَكَرُواْ مَكْراً﴾ بهذهِ المواضعةِ ﴿وَمَكَرْنَا مَكْراً﴾ أي أهلكَناهم إهلاكاً غيرَ معهودٍ ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أو جازيناهم مكرُهم من حيثُ لا يحتسبونَ
﴿فانظر كيف كان عاقبة مَكْرِهِمْ﴾ شروعٌ في بيانِ ما ترتَّبَ على ما باشرُوه من المكرِ وكيفَ معلِّقةٌ لفعلِ النظرِ ومحلُ الجملةِ النصبُ بنزعِ الخافضِ أي فتفكر في أنَّه كيف كان عاقبة مكرهم وقولُه تعالى ﴿أَنَّا دمرناهم﴾ إما بدلٌ من عاقبةُ مكرِهم على أنَّه فاعلُ كان وهي تامَّة وكيفَ حالٌ أي فانظُرْ كيفَ حصلَ أي على أيِّ وجهٍ حدثَ تدميرُنا إيَّاهُم وإمَّا خبرٌ لمبتدإٍ محذوفٍ والجملةُ مبينة لما في عاقبةُ مكرِهم من الإبهامِ أي هي تدميرُنا إيَّاهم ﴿وَقَوْمَهُمْ﴾ الذين لم يكونُوا معُهم في مباشرةِ التبييتِ ﴿أَجْمَعِينَ﴾ بحيثُ لم يشذ منهم شاذو إما تعليل لما ينبئ عنه الأمرُ بالنَّظرِ في كيفيةِ عاقبةِ مكرِهم من غايةِ الهولِ والفظاعةِ بحذفِ الجارِّ أي لأنَّا دمَّرناهم الخ وقيلَ كانَ ناقصةٌ اسمها عاقبة مكرم وخبرها كيفَ كانَ فالأوجُه حينئذٍ أنْ يكونَ قولُه تعالى أنَّا دمَّرناهم الخ تعليلاً لما ذكر وقرئ إنَّا دمَّرناهم الخ بالكسرِ على الاستئنافِ رُوي أنَّه كانَ لصالحٍ عليه السَّلام مسجدٌ في الحجر في شعبٍ يصلِّي فيهِ فقالُوا زعمَ صالحٌ أنَّه يفرغُ منَّا إلى ثلاثٍ فنحنُ نفرغُ منه ومن أهلهِ قبل الثَّلاثِ فخرجُوا إلى الشِّعبِ وقالُوا إذَا جاءَ يُصَلِّي قتلناهُ ثمَّ رجعنَا إلى أهله فقلناهم فبعثَ الله تعالى صخرةً من الهضبِ حيالَهم فبادرُوا فطبقتِ الصَّخرةُ عليهم فم الشِّعبِ فلم يدرِ قومُهم أينَ هُم ولم يدروا ما فُعل بقومِهم وعذَّب الله تعالى كلاً منهم في مكانِه ونجَّى صالحاً ومَن معه وقيلَ جاءُوا بالليلِ شاهرِي سيوفِهم وقد أرسلَ الله تعالى الملائكةَ ملءَ دارِ صالحِ فدمغُوهم بالحجارةِ يرون الحجارةَ ولا يَرون رامياً
﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ﴾ جملةً مقرِّرة لما قبلها وقوله تعالى ﴿خَاوِيَةٍ﴾ أي خاليةً أو ساقطةً متهدمةً ﴿بِمَا ظَلَمُواْ﴾ أي بسببِ ظلمِهم المذكورِ حالٌ من بيوتُهم والعاملُ معنى الإشارة وقرئ خاويةٌ بالرَّفعِ على أنَّه خبرُ لمبتدأٍ محذوفٍ ﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ﴾ أي فيما ذُكر من التَّدميرِ العجيبِ بظلِمهم ﴿لآيَةً﴾ لعبرةً عظيمةً ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أي ما مِنْ شأنه أن يُعلم شَيْئاً من الأشياءِ أو لقومٍ يتصفونَ بالعلم
﴿وأنجينا الذين آمنوا﴾ صالحاً ومَن مَعَهُ من المؤمنينَ ﴿وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ أي الكفَر والمعاصي اتقاءً مستمراً فلذلك خُصُّوا بالنَّجاةِ
﴿وَلُوطاً﴾ منصوبٌ بمضمرٍ معطوفٍ على أرسلنا