سورة النمل (٥٥ ٥٩) في صدرِ قصَّة صالحٍ داخلٌ معه في حيزِ القسمِ أي وأرسلنا لوطاً وقولُه تعالى ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ ظرفٌ للإرسالِ على أنَّ المرادَ به أمرٌ ممتدٌ وقعَ فيه الإرسالُ وما جرَى بينَه وبينَ قومِه من الأقوالِ والأحوالِ وقيل انتصابُ لوطاً بإضمارِ اذكُر وإذْ بدلٌ منه وقيل بالعطفِ على الَّذِينَ آمنُوا أي ونجينا لوطاً وهو بعيدٌ ﴿أَتَأْتُونَ الفاحشة﴾ أي الفعلة المتناهية في القُبح والسَّماجةِ وقولُه تعالى ﴿وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ جملةٌ حاليةٌ من فاعلِ تأتُون مفيدةٌ لتأكيدِ الإنكارِ وتشديدِ التَّوبيخِ فإنَّ تعاطيَ القبيحِ من العِالمِ بقُبحه أقبحُ وأشنعُ وتُبصرون من بصرِ القلبِ أي أتفعلونَها والحالُ أنَّكم تعلمونَ علماً يقينياً بكونِها كذلك وقيل يبصرُها بعضُكم من بعضٍ لما كانُوا يُعلنون بَها
﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً﴾ تثنية للغنكار وتكريرٌ للتوبيخِ وبيانٌ لما يأتونَهُ من الفاحشةِ بطريق التصريح وتحلية الجملة بحر في التأكيدِ للإيذانِ بأنَّ مضمونَها مما لا يُصدِّق وقوعَه أحدٌ لكمالِ بُعدِه من العقولِ وإيرادُ المفعولِ بعُنوانِ الرُّجوليةِ لتربيةِ التقبيحِ وتحقيقِ المباينةِ بينها وبين الشهوةِ التي عُلل بها الإتيانُ ﴿مّن دُونِ النساء﴾ متجاوزينَ النساءَ اللاتي هُنَّ محالُّ الشهوةِ ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ تفعلونَ فعلَ الجاهلينَ بقبحِه أو تجهلون العاقبةَ أو الجهلُ بمعنى السَّفاهة والمجُون أي بل أنتُم قوم سفهاء ما جنون والتَّاءُ فيه مع كونِه صفةً لقومٍ لكونِهم في حيِّزِ الخطابِ
﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ آل لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ يتنزهونَ عن أفعالِنا أو عن الأقذارِ ويعدّون فعلَنا قذراً وعن أن عباس رضي الله تعالى عنُهمَا أنَّه استهزاءٌ وقد مرَّ في سورةِ الأعرافِ أنَّ هذا الجوابَ هو الذي صدر عنهم في المرة الأخيرة من مرات مواعظ لوط عليه السلام بالأمرِ والنَّهي لا أنَّه لم يصدُرْ عنهم كلامُ آخرُ غيرُه
﴿فأنجيناه وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته قدرناها﴾ أي قدرنَا أنَّها ﴿مِنَ الغابرين﴾ أي الباقينَ في العذابِ
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا﴾ غيرَ معهودٍ ﴿فَسَاء مَطَرُ المنذرين﴾ قد مرَّ بيانُ كيفيةِ ما جرى عليهم من العذابِ غيرَ مرَّةٍ
﴿قُلِ الحمد لِلَّهِ وسلام على عِبَادِهِ الذين اصطفى﴾ إثرَ ما قصَّ الله تعالى على رسوله ﷺ قصصَ الأنبياءِ المذكورينَ عليهم الصَّلاة والسَّلام وأخبارَهم الناطقةَ بكمالِ قُدرته تعالى وعظمِ شأنِه وبما خصَّهم به من الآياتِ القاهرةِ والمعجزاتِ الباهرةِ الدالَّةِ على جلالةِ أقدارِهم وصحَّةِ أخبارِهم وبيَّن على ألسنتهم حقِّيةَ الإسلامِ والتَّوحيدِ وبطلانَ الكفرِ والإشراكِ وأنَّ من اقتَدى بهم فقد اهتدَى ومن أعرضَ عنهم فقد تردَّى في مَهاوي الرَّدى وشرح صدَره عليهِ الصَّلاة والسَّلام بمَا في تضاعيف تلك