طه ٦ ٨
متعلقاته وقد قرئ بالجر على أنه صفةٌ صريحةٌ للموصول وما قيل من أن الأسماءَ الناقصةَ لا يوصف منها إلا الذي وحده مذهب الكوفيين وأيا ما كان فوصفُه بالرحمانية إثرَ وصفِه بخالقية السموات والأرض للإشعار بأن خلقَهما من آثار رحمته تعالى كما أن قوله تعالى رب السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا الرحمن للإيذان بأن ربوبيتَه تعالى بطريق الرحمةِ وفيه إشارةٌ إلى أن تنزيلَ القرآنِ أيضاً من أحكام رحمتِه تعالى كما ينبئ عنه قوله تعالى
﴿الرحمن علم القرآن﴾ أو رُفع على الابتداء واللامُ للعهد والإشارةِ إلى الموصول والخبرُ قوله تعالى ﴿عَلَى العرش استوى﴾ وجعلُ الرحمة عنوانَ الموضوع الذي شأنُه أن يكون معلومَ الثُبوت للموضوع عند المخاطَب للإيذان بأن ذلك أمرٌ بيِّنٌ لا سِترةَ به غنيَ عنِ الإخبارِ بهِ صريحاً وعلى متعلقةٌ باستوى قدمت عليه لمراعاة الفواصل والجار والمجرور على الأولِ خبرُ مبتدأ محذوفٍ كما في القراءة الجرِّ وقد جُوِّز أن يكون خبراً بعد خبر والاستواءُ على العرش مجازٌ عن الملك والسلطان متفرع على الكناية فيمن يجوّز عليه القعودَ على السرير يقال استوى فلانٌ على سرير الملك يراد به مَلَك وإن لم يقعُدْ على السرير أصلاً والمرادُ بيانُ تعلقِ إرادتِه الشريفة إيجاد الكائنات وتدبيرِ أمرها وقوله تعالى
﴿له ما في السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ سواء كان ذلك بالجزئية مهما أو بالحلولِ فيهما ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من الموجودات الكائنة في الجو دائماً كالهواء والسحاب أو أكثر يا كالطير أي له وحده دون غيرِه لا شِرْكةً ولا استقلالاً كلُّ ما ذكر مُلكاً وتصرفاً وإحياءً وإمالة وإيجاداً وإعداماً ﴿وَمَا تَحْتَ الثرى﴾ أي ما وراءَ الترب وذكرُه مع دخوله تحت ما في الأرض لزيادة التقريرِ روي عن محمد بن كعب أنه ما تحت الأرضينَ السبعِ وعن السدّي أن الثرى هو الصخرةُ التي عليها الأرضُ السابعة
﴿وَإِن تَجْهَرْ بالقول﴾ بيانٌ لإحاطةِ علمِه تعالَى بجميع الأشياء إثرَ بيانِ سعةِ سلطنتِه وشمولِ قدرتِه لجميع الكائنات أي وإن تجهَرْ بذكره تعالى ودعائِه فاعلم أنه تعالى غني عن جهرك ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى﴾ أي ما أسرَرْته إلى غيرك وشيئاً أخفى من ذلك وهو ما أخطَرْته ببالك من غير أن تتفوّه به أصلاً أو ما أسرَرْتَه لنفسك وأخفى منه وهو ما ستسره فيما سيأتي تنكيره للمبالغة في الخفاء وهذا إما نهيٌ عن الجهر كقوله تعالى واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجهر مِنَ القول وإما ارشادٌ للعباد إلى أن الجهرَ ليس لإسماعه سبحانه بل لغرض آخرَ من تصوير النفسِ بالذكر وتثبيتِه فيها ومنْعِها من الاشتغال بغيره وقطعِ الوسوسةِ عنها وهضمها بالتضرع ولا جؤار وقوله تعالى
﴿الله﴾ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ والجملةُ استئناف مَسوقٌ لبيانِ أن ما ذكرَ من صفات الكمالِ موصوفُها ذلك المعبودُ بالحق أي ذلك المنعوتُ بما ذُكِرَ من النعوتِ الجليلة الله عزَّ وجلَّ وقولُه تعالَى ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ تحقيقٌ للحق وتصريح بما تصمنه ما قبله من اختصاص الألوهيةِ به سبحانه فإن ما أُسند إليه تعالى من خلق جميعِ الموجوداتِ


الصفحة التالية
Icon