والنوازل أو تنفقدون إذا رُئيت مساكنُكم خاليةً وتُسألون أين أصحابُها أو يسألكم الوافدون نوالَكم على أنهم كانوا أسخياءَ ينفقون أموالهم رياء وبخلاء فقيل لهم ذلك تهكماً إلى تهكم
﴿قَالُواْ﴾ لما يئسوا من الخلاص بالهرب وأيقنوا بنزول العذاب ﴿يا ويلنا﴾ أي هلاكَنا ﴿إِنَّا كُنَّا ظالمين﴾ أي مستوجبين للعذاب وهو اعترافٌ منهم بالظلم وباستتباعه للعذاب وندمٌ عليه حين لم ينفعْهم ذلك
﴿فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ﴾ أي فما زالوا يرددون تلك الكلمةَ وتسميتُها دعوى أي دعوة لأن المدلول كأنه يدعوا الويلَ قائلاً يا ويل تعالَ فهذا أوانُك ﴿حتى جعلناهم حَصِيداً﴾ أي مثلَ الحصيدِ وهو المحصودُ من الزرع والنبت ولذلك لم يُجمع ﴿خامدين﴾ أي ميتين من خمَدت النارُ إذا طَفِئت وهو مع حصيداً في حيز المفعول الثاني للجعْل كقولك جعلتُه حُلْواً حامضا والمعنى جعلنا هم جامعين لمماثلة الحصيدِ والخمود أو حال من الضمير المنصوب في جعلناهم أو من المستكنّ في حصيداً أو صفة لحصيدا لنعدده معنًى لأنه في حكم جعلناهم أمثالَ حصيد
﴿وما خلقنا السماء والأرض﴾ إشارةٌ إجماليةٌ إلى أن تكوينَ العالمَ وإبداعَ بني آدمَ مؤسسٌ على قواعد الحِكَم البالغةِ المستتبِعة للغايات الجليلةِ وتنبيهٌ على أن ما حُكي من العذاب الهائلِ والعقاب النازلِ بأهل القرى من مقتَضيات تلك الحِكَم ومتفرِّعاتها حسبَ اقتضاءِ أعمالِهم إياه وأن للمخاطَبين المقتدرين بآثارهم ذَنوباً مثلَ ذَنوبهم أي مَا خلقناهما ﴿وَمَا بينَهما﴾ من المخلوقات التي لا تُحصى أجناسُها وأفرادُها ولا تحصر أنواعُها وآحادُها على هذا النمط البديعِ والأسلوب المنيعِ خاليةٌ عن الحِكَم والمصالح وإنما عبّر عن ذلك باللعب واللهو حيث قيل ﴿لاَعِبِينَ﴾ لبيان كمالِ تنزّهه تعالى عن الخَلْق الخالي عن الحِكمة بتصويره بصورة مالا يرتاب أحدٌ في استحالة صدورِه عنه سبحانه بل إنما خلقناهما وما بينهما لتكون مبدأً لوجود الإنسان وسبباً لمعاشه ودليلاً يقودُه إلى تحصيل معرفتِنا التي هي الغايةُ القصوى بواسطةِ طاعتِنا وعبادتنا كما ينطِق به قوله تعالَى وَهُوَ الذى خَلَقَ السموات والأرض فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء ليبوكم أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وقولُه تعالى وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ وقوله تعالى
﴿لو أردنا أن نتخذ لَهْواً﴾ استئنافٌ مقرر لما قبله من انتفاء اللعبِ واللهو أي لو أردنا أن نتخذ ما يُتَلهّى به ويُلعب ﴿لاتخذناه مِن لَّدُنَّا﴾ أي من جهة قدرتِنا أو من عندنا مما يليق بشأننا من المجردات لا من الأجسام المرفوعةِ والأجرامِ الموضوعة كدَيدن الجبابرةِ في رفع العروش وتحسينها وتسويةِ الفروش وتزيينها لكن يستحيل إرادتُنا له لمافاته الحِكمةَ فيستحيل اتخاذُنا له قطعاً وقوله تعالى ﴿إِن كنا فاعلين﴾ جرا به محذوفٌ ثقةً بدلالةِ ما قبلَهُ عليه أي إن كنا فاعلين لاتخذناه وقيل إن نافية أي ما كنا فاعلين أي لاتخاذ اللهو لعدم إرادتِنا إياه فيكون بياناً