وقعَ جوابا عما نشأ مما قبله كأنه قيل ماذا يصنعون في عباداتهم أوكيف يعبدون فقيل يسبحون الخ أوحال من فاعل يستحسرون وكذا قوله تعالى ﴿لاَ يَفْتُرُونَ﴾ أي لا يتخلل تسبيحَهم فترةٌ أصلاً بفراغ أو بشغل آخر
﴿أم اتخذوا آلهة﴾ حكايةٌ لجناية أخرى من جناياتهم بطريق الإضرابِ والانتقال من فن إلى فن آخر من التوبيخ إثرَ تحقيق الحق ببيان أنه تعالى خلق جميع المخلوقات على منهاج الحكمة وأنهم قاطبةً تحت ملكوته وقهره وأن عبادَه مذعنون لطاعته ومثابرون على عبادته منزِّهون له عن كل مالا يليقُ بشأنِه من الأمور التي من جملتها الأندادُ ومعنى الهمزة في أم المنقطعة إنكار الواقع وقوله تعالى ﴿مّنَ الأرض﴾ متعلقٌ باتخذوا أو بمحذوف هو صفة لآلهة وأيا ما كان فالمرادُ هو التحقيرُ لا التخصيصُ وقوله تعالى ﴿هُمْ يُنشِرُونَ﴾ أي يَبعثون الموتى صفةٌ لآلهةً وهو الذي يدور عليه الإنكارُ والتجهيلُ والتشنيع لانفس الاتخاذ فإنه واقعٌ لا محالة أي بل أتخذوا آلهةً من الأرض هم خاصة مع حقارتهم وجماديتهم يُنشِرون الموتى كلا فإن ما اتخذوها آلهةً بمعزل من ذلك وهم وإن لم يقولوا بذلك صريحاً لكنهم حيث ادَّعَوا لها الإلهية فكأنهم ادعوا لها الإنشارَ ضرورةَ أنه من الخصائص الإلهية حتماً ومعنى التخصيص في تقديم الضمير ما أشيرَ إليهِ من التنبيه على كمال مباينةِ حالهم للإنشار الموجبةِ لمزيد الإنكار كما في قوله تعالى أَفِى الله شَكٌّ وقوله تعالى أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون فإن تقديمَ الجارِّ والمجرورِ للتنبيه على كمال مباينةِ أمرِه تعالى لأن يُشَك فيه ويُستهزأَ به ويجوز أن يُجعلَ ذلك من مستتبعات ادّعائِهم الباطلِ لأن الألوهيةَ مقتضيهٌ للاستقلال بالإبداء والإعادة فحيث ادَّعَوا للأصنام الإلهية فكأنهم ادعوا لها الاستقلالَ بالإنشار كما أنهم جعلوا بذلك مدّعين لأصل الإنشار
﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله﴾ إبطالٌ لتعدد الإله بإقامة البرهان على انتفائه بل على استحالته وإيرادُ الجمع لوروده إثرَ إنكار اتخاذِ الآلهة لا لأن للجمعية مدخلاً في الإستدلال وكذا فرض كونها فيهما وإلا بمعنى غير على أنها صفةٌ لآلهة ولا مساغَ للاستثناء لاستحالة شمول ما قبلَها لما بعدَها وإفضائِه إلى فساد المعنى لدلالته حينئذ على أن الفسادَ لكونها فيهما بدونه تعالى ولا للرفع على البدل لأنه متفرّع على الاستثناء ومشروطٌ بأن يكون في كلامٍ غيرِ موجب أي لو كان في السموات والأرض آلهةٌ غيرُ الله كما هو اعتقادُهم الباطل ﴿لَفَسَدَتَا﴾ أي لبطلتا بما فيهما جميعاً وحيث انتفى التالي عُلم انتفاء المقدم قطعا بيان الملازمة أن الإلهية مستلزِمةٌ للقدرة على الاستبداد بالتصرف فيهما على الإطلاق تغييراً وتبديلاً وإيجاداً وإعداماً وإحياءً وإماتة فبقاؤهما على ما هما عليه إما بتأثير كل منها وهو محالٌ لاستحالة وقوعِ المعلولِ المعيّن بعلل متعددة وإما بتأثير واحدٍ منها فالبواقي بمعزل من الإلهية قطعاً واعلم أن جعلَ التالي فسادَهما بعد وجودِهما لِما أنه اعتُبر في المقدم تعددُ الآلهةِ فيهما وإلا فالبرهانُ يقضي باستحالة التعدد على الإطلاق فإنه لو تعدد الإله فإنْ توافقَ الكلِّ في المراد تطاردت عليه القدر وإن تخالفت