سورة الأنبياء ٢٥ ٢٧ إضرابٌ من جهتِه تعالى غيرُ داخلٍ في الكلامِ الملقنِ وانتقالٌ من الأمر بتبكيتهم بمطالبة البرهانِ إلى بيان أنه لا ينجح فيهم المحاجة بإظهار حقية الحقِّ وبُطلانِ الباطل فإن أكثرهم لا يفهمون الحقَّ ولا يميزون بينه وبين الباطل ﴿فَهُمُ﴾ لأجل ذلك ﴿مُّعْرِضُونَ﴾ أي مستمرون على الإعراض عن التوحيد واتباعِ الرسول لا يرعوون عمَّا هُم عليهِ من الغي والضلال وإن كُرّرت عليهم البينات والحجج أو معرضون عما ألقي عليهم من البراهين العقلية والنقلية وقرىء الحقُّ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وسِّط بين السبب والمسببِ تأكيداً للسببية وقوله تعالى
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون﴾
٢٥ - استئنافٌ مقررٌ لما أُجمل فيما قبله من كون التوحيد مما نطقت به الكتب الإلهية وأجمعت عليه الرسلُ عليهم السلام وقرىء يوحى على صيغة الغائب مبنياً للمفعول وأياً ما كان فصيغةُ المضارعِ لحكايةِ الحالِ الماضيةِ استحضارا لصورة الوحي
﴿وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً﴾ حكايةٌ لجناية فريق من المشركين جيء بها لإظهار
٢٦ - بُطلانِها وبيانِ تنزّهه تعالى عن ذلك إثرَ بيان تنزّهِه سبحانه عن الشركاء على الإطلاق وهم حيٌّ من خُزاعَةَ يقولون الملائكةُ بناتُ الله تعالى ونقل الواحدي أن قريشاً وبعضَ أجناس العرب جهينة وبني سلمةَ وخُزاعةَ وبني مَليحٍ يقولون ذلك والتعرضُ لعنوان الرحمانية المنبئةِ عن كون جميع ماسواه تعالى مربوباً له تعالى نعمةً أو مُنعَماً عليه لإبراز كمالِ شناعةِ مقالتِهم الباطلةِ ﴿سبحانه﴾ أي تنزّه بالذات تنزّهَه اللائقَ به على أن السبحان مصدر من سبح أي بَعُد أو أسبّحه تسبيحَه على أنه علمٌ للتسبيح وهو مقولٌ على ألسنة العباد أو سبحوه تسبيحَه وقوله تعالى ﴿بَلْ عِبَادٌ﴾ إضرابٌ وإبطالٌ لما قالوه كأنه قيل ليست الملائكةُ كما قالوا بل هم عبادٌ له تعالى ﴿مُّكْرَمُونَ﴾ مقربون عنده وقرى مكرمون بالتشديد وفيه تنبيهٌ على منشأ غلطِ القوم وقوله تعالى
﴿لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول﴾ صفةٌ أخرى لعباد منبئةٌ عن كمال طاعتهم وانقيادِهم لأمره تعالى أي
٢٧ - لا يقولون شيئاً حتى يقوله تعالى أو يأمرهم به وأصلُه لا يسبق قولُهم قولَه تعالى فأسند السبق إليهم منسوباً إليه تعالى تنزيلاً لسبق قولِهم قولَه تعالى منزلةَ سبقهم إياه تعالى لمزيد تنزيههم عن ذلك وللتنبيه على غاية استهجان السبقِ المعرَّضِ به للذين يقولون مالا يقوله الله تعالى وجعلُ القول محلاً للسبق وأداةً له ثم أنيب اللامُ عن الإضافة للاختصار والنجافى عن التكرار وقرىء لا يسبقونه بضم الباء من سابقته فسبقته أسبُقه وفيه مزيدُ استهجانٍ للسبق وإشعارٌ بأن من سبق قولُه قولَه تعالى فقد تصدّى لمغالبته تعالى في السبق فسبقه فغلبه والعياذ بالله تعالى وزيادةُ تنزيهٍ لهم عما نُفيَ عنهم ببيان أن ذلك عندهم بمنزلة الغلبة بعد المغالبة فأتى يتوهم صدور عنهم ﴿وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ بيان لتبيعتهم له تعالى في الأعمال إثرَ بيانِ تبعيتهم له تعالى في الأقوال فإن نفيَ سبقِهم له تعالى بالقول عبارةٌ عن تبعيّتهم له تعالى فيه كأنه قيل هم بأمره يقولون وبأمره


الصفحة التالية
Icon