سورة الأنبياء (٣٤ ٣٦) فوقع الفصلُ بين العامل ومعموله بالمؤكدو بين المؤكِّد والمؤكَّد بالمعمول
﴿خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ﴾ جُعل لفرْطِ
٣٧ - استعجالِه وقلة صبره كأنه مخلوقٌ منه تنزيلاً لما طُبع عليه من الأخلاق منزلةَ ما طبع منه من الأركان إيذاناً بغاية لزومِه له وعدم انفكاكه عنه ومن عجلته مبادرتُه إلى الكفر واستعجالُه بالوعيد رُوِيَ أنَّها نزلتْ في النضر بن الحرث حين استعجل العذابَ بقوله اللهم إِن كَانَ هَذا هُوَ الحقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ الآية وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالإنسان آدمُ عليه السلام وأنه حين بلغ الروحُ صدرَه ولم يتبالغْ فيه أراد أن يقوم وروي أنه لما دخل الروع في عينيه نظر إلى ثما رالجنة ولما دخل جوفَه اشتهى الطعامَ وقيل خلقه الله تعالى في آخر النهار يومَ الجمعة قبل غروبِ الشمس فأسرعَ في خلقه قبل غيبتِها فالمعنى خُلق الإنسان خلقاً ناشئاً من عجل فذكرُه لبيان أنه من دواعي عجلته في الأمور والأظهر أنَّ المرادَ بِهِ الجنسُ وإن كان خلقُه عليه السلام سارياً إلى أولاده وقيل العجلُ الطينُ بلغة حِمْير ولا تقريب له ههنا وقوله تعالى ﴿سأريكم آياتي﴾ تلوينٌ للخطاب وصرْفٌ له عن رسول الله ﷺ إلى المستعجِلين بطريق التهديدِ والوعيد أي سأريكم نقِماتي في الآخرة كعذاب النار وغيره ﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ﴾ بالإتيان بها والنهي عما جُبلت عليه نفوسُهم ليُقعِدوها عن مرادها
﴿وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد﴾ أي وقت مجيء الساعة التي كانوا يوعدون وإنما كانوا يقولونه استعجالا لمجيتة بطريق الاستهزاء والإنكار كا يرشد إليه الجوابُ لا طلباً لتعيين وقتِه بطريق الإلزام كما في سورة الملك ﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾ أي في وعدكم بأنه يأتينا والخطاب للنبي ﷺ والمؤمنين الذين يتلون الآياتِ الكريمةَ المنبئةَ عن مجيء الساعة وجوابُ الشرط محذوفٌ ثقةً بدِلالة ما قبلَهُ عليه حسبما حُذف في مثلِ قولِه تعالى فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصادقين فإن قولهم متى هذا الوعد استبطاء منهم للموعود وطلبٌ لإتيانه بطريق العجَلة فإن ذلك في قوة الأمرِ بالإتيان عجلةً كأنه قيل فليأتنا بسرعة إن كنتم صادقين
﴿لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ﴾ استئنافٌ
٣٩ - مَسوقٌ لبيان شدةِ هول ما يستعجلونه وفظاعةِ ما فيهِ من العذاب وأنهم إنما يستعجلونه لجهلهم بشأنه وإيثارُ صيغةِ المضارعِ في الشرط وإن كان المعنى على المُضِيّ لإفادة استمرارِ عدم العلم فإن المضارعَ المنفيَّ الواقعَ موقعَ الماضي ليس بنص في إفادة انتفاءِ استمرارِ الفعل بل يفيد استمرارَ انتفائِه أيضاً بحسبِ المقامِ كما في قولِك لو تحسن إلي لشكرتك فإن المعنى أن انتفاءَ الشكر لاستمرار انتفاءِ الإحسان لا لانتفاء استمرارِ الأحسان ووضعُ الموصولِ موضعَ الضميرِ للتنبيهِ بما في حيزِ الصلة على علّة استعجالِهم وقوله تعالى ﴿حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ﴾ مفعول يعلم وهو عبارةٌ عن الوقت الموعودِ الذي كانوا